اخبار

إسرائيل تجوّع غزة: أصوات مستغيثين في كل مكان

باتت كلمة الجوع تختصر الكثير من المشاهد القادمة من قطاع غزة. أصوات الجياع المستغيثين تطلّ من كل مكان، عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي “بدنا أكل يا ناس”.

بات للجوع صوت وصورة، أطفال وكبار يجرون بما بقي من طاقتهم النافدة خلف الشاحنات، أطفال يحركون حميرهم، في حين حتى الحمير لا تقوى على الجري، ونظرات أطفال تشلّ الناظر إليها، بألم عابر للشاشات، يهز الجميع إلا حكومة الاحتلال الإسرائيلي وغالبية الإسرائيليين الداعمين للتجويع.

ويكرر وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير موقفه الرافض لسماح إسرائيل بدخول أي مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة، وإن بدا أن بن غفير أبرز الداعين إلى هذا النهج، إلا أنه ليس الوحيد. ورفض بن غفير مراراً أن تقوم شرطة الاحتلال بتفريق المتظاهرين ضد دخول المساعدات إلى غزة.

وكرر وزير الأمن الداخلي موقفه هذا مجدداً اليوم الأربعاء، في حديث مع إذاعة الشمال العبرية، مشدّداً على أنه لا يجب التفاوض مع حماس ولا إدخال المساعدات. وقال لمقدّم البرنامج: “لو سألتني، فسأجيب بأنه لا ينبغي أن نتفاوض معهم، بل يجب أن نقتلهم، ونوقف الوقود، ولا ينبغي أن يكون هناك معبر للمساعدات الإنسانية”.

واعتبر أنّ السماح بإدخال المساعدات يجب أن يكون مرهوناً بالسماح لجهات معيّنة بزيارة المحتجزين الإسرائيليين.

وبالأرقام أشار استطلاع للرأي أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، نُشرت نتائجه أمس الثلاثاء، إلى أنّ 68% من الإسرائيليين لا يدعمون السماح بإدخال مساعدات إنسانية إلى غزة، حتى من خلال منظمات دولية لا تربطها أي صلة بحركة حماس أو بوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (أونروا).

ويشير ذلك إلى حكم بالإعدام على كل من في غزة، من قبل حكومة الاحتلال مدعومة بقاعدة جماهيرية ترفض إدخال الطعام إلى الجياع.

ويذكر في السياق أنّ إسرائيل لا تسمح بدخول ما يكفي من الشاحنات المحمّلة بالمساعدات، كما تشهد الحكومة نفسها معارضة من قبل بعض أطرافها لإدخال أي مساعدات، فيما تتظاهر مجموعة إسرائيلية بشكل يومي لإعاقة دخول الشاحنات.

غريزة البقاء في غزة

مع انتشار الجوع في قطاع غزة، بدأت تنتشر ظاهرة “نهب بعض الفلسطينيين لشاحنات المساعدات ومستودعات المواد الغذائية ومحتويات منازل النازحين، بحسب سكان ومسؤولين في منظمات مساعدات الدولية”، بحسب ما نقلته صحيفة “هآرتس” العبرية، اليوم الأربعاء، عن دبلوماسيين أجانب وموظفي إغاثة لم تسمّهم، مع تفريق هؤلاء بين أعمال النهب التي يرتكبها جنود الاحتلال الإسرائيلي في غزة، وبين من يتصرفون بغريزة البقاء والنجاة من الموت جوعاً في حالة الفلسطينيين.

لكن مصادر الصحيفة تحدّثت أيضاً عن وجود “عصابات” معينة تعترض طريق الشاحنات، كما ذكرت المصادر أن بعض المظاهر التي تحدث في غزة اليوم في الشهر الخامس للحرب، حدثت في أماكن أخرى في العالم، جراء حروب أو كوارث في غضون 48 ساعة فقط، في محاولة كما يبدو لإنصاف أهالي غزة وصبرهم واحتمالهم ما لا يحتمله البشر حول العام بأسره.

وتابعت الصحيفة نقلاً عن مصادرها، أنه “لا يدور الحديث عن أفراد فقط، ولكن أيضاً عن عصابات تشكّلت من أجل أعمال النهب مستغلّة غياب عناصر الشرطة من قبل حماس لعدم قدرة هؤلاء على الخروج علانية بزيهم الرسمي وسلاحهم، من أجل حماية الشاحنات والبيوت الفارغة وشبه المهدّمة في المناطق التي خرجت منها قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي”.

وقال دبلوماسي غربي إن “أعمال النهب تكسر نظام توزيع المواد الغذائية التي تصل إلى حدود قطاع غزة، بعد جهد كبير، وهي بعيدة كل البعد عن أن تكون كافية للسكان”.

وأضاف أن “مشكلة الأمن والحماية يتم طرحها خلال لقاءات مع المسؤولين الإسرائيليين، والذين يتوجب عليهم إثبات أن إسرائيل تلتزم بالقوانين وتسمح بدخول ما يكفي من المساعدات الإنسانية”.

وقالت موظّفة في إحدى منظمات المساعدات الإنسانية، لذات الصحيفة، إن “من الصعب استخدام كلمة سرقة أو نهب على ما يفعله بعض السكان من أجل البقاء على قيد الحياة”.

وأوضحت الموظّفة أن “هناك فرقا بين الدخول إلى منزل فارغ وأخذ أغراض أساسية كأغطية أو احتياجات غذائية وبين النهب المنظّم من أجل البيع في السوق السوداء. وبالطبع هناك فرق بين هذه الأعمال من أجل البقاء على قيد الحياة وبين أعمال النهب التي يقوم بها جنود الجيش الإسرائيلي”.

آلية البقاء

وشرحت الموظفة للصحيفة أن هناك أربعة أسباب لعدم وصول المساعدات إلى شمال القطاع، حيث بقي مئات الآلاف من الأشخاص في الأشهر الماضية وانضم إليهم آلاف آخرون، ومع مرور الوقت: “لم تسمح إسرائيل بوصول الشاحنات، ولم يكن هناك ما يكفي من الوقود لشاحنات غزة التي تحمل المساعدات إلى تلك المناطق، أيضاً تعرّضت الشاحنات القليلة على طول الطريق إلى النهب، كما يخشى السائقون القيادة دون حراسة وحماية لهم وللبضائع”.

وتابعت: “بعض الزملاء من العاملين في الإغاثة لم يتمكّنوا من الانتقال من شمال القطاع إلى جنوبه، وهم اليوم يبكون ويقولون لنا إنه ليس لديهم ماء ولا طعام، ولا نستطيع مساعدتهم. فلماذا نحن موجودون؟”.

​وتؤكد الموظفة أن الجياع ليسوا فقط في شمال القطاع. وقالت: “في مثل هذه الظروف من الجوع، يخلق الناس آليات للبقاء على قيد الحياة. سواء من خلال الأفراد أو العشيرة أو أي مجموعة تنظّم نفسها على أساس مشترك. وهذا أمر متوقع تمامًا”.

وقالت الموظفة ما قاله الدبلوماسي للصحيفة، إن “هذه ظواهر اجتماعية تتطور في جميع أنحاء العالم، في مواقف مماثلة. لكن ظاهرة عصابات النهب المنظّمة تطورت واتسعت في غزة في وقت متأخر جدًا مقارنة بالأماكن الأخرى التي عملت فيها حول العالم، حيث يتفكك النسيج الاجتماعي بسبب كارثة واسعة النطاق. في أماكن أخرى، كان الأمر يحدث بعد 48 ساعة، أما هنا فقد استغرق الأمر حوالي أربعة أشهر”.

اتهامات أممية لإسرائيل

وأعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، أمس الثلاثاء، أن إسرائيل لم تسمح بأكثر من نصف المساعدات المقررة هذا العام إلى شمالي قطاع غزة.

وقالت في منشور عبر حسابها على منصة “إكس”: “السلطات الإسرائيلية منعت منذ مطلع العام الحالي وحتى الآن 51 بالمئة من المهمات التي خططت لها الأونروا وشركاؤها في المجال الإنساني لتقديم المساعدات وإجراء التقييمات لمناطق شمالي غزة”. وأكدت أن انعدام الأمن الغذائي شمالي غزة وصل إلى حالة حرجة للغاية.

وفي 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، أعلنت “أونروا”، أن السكان في شمال قطاع غزة أصبحوا “على حافة المجاعة”.

وأمس الثلاثاء أيضاً، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، توقف تسليم المساعدات إلى شمال غزة الذي يعاني “الفوضى والعنف”، وفق ما جاء في بيان للبرنامج. وأضاف: “قرار وقف تسليم المساعدات إلى شمال قطاع غزة لم يتم اتخاذه باستخفاف لأننا ندرك أنه يعني تدهور الوضع أكثر هناك، وأن عدداً أكبر من الناس سيواجه خطر الموت جوعاً”.

وسبق لبرنامج الأغذية العالمي، أن أوقف قبل ثلاثة أسابيع إرسال المساعدات الغذائية إلى شمال غزة بعد ضربة إسرائيلية أصابت شاحنة للبرنامج التابع للأمم المتحدة.

واعتبرت حركة حماس، اليوم الأربعاء، أنّ تعليق برنامج الغذاء العالمي لتسليم المساعدات لشمال قطاع غزة رغم قلتها “تطور خطير سيضاعف من المعاناة الإنسانية لأبناء الشعب الفلسطيني”.

ودعت الحركة، في بيان لها، برنامج الغذاء العالمي وكافة الوكالات الأممية بما فيها الأونروا إلى الضغط على الاحتلال لوصول المساعدات. كما دعت جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي إلى التحرك العاجل والفاعل لكسر الحصار وإغاثة الشعب الفلسطيني من خطر المجاعة والإبادة.

وفي ديسمبر/ كانون الأول، حذر تقرير “التصنيف المرحلي المتكامل” الذي أعدته 15 وكالة، من بينها برنامج الأغذية العالمي، من خطر المجاعة في شمال غزة بحلول مايو/ أيار ما لم تتحسن الظروف هناك بشكل حاسم. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى