اخبار السعودية

كيسينجر..موته يزيد الانقسام حول أدواره وترِكَته الثقيلة

أثارت وفاة وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسينجر ليل (الأربعاء/ ‏‏الخميس)، عن 100 عام، انقساماً حاداً، لم يكن غريباً على شخص استأثر بالأضواء العالمية؛ باعتباره أقوى وزراء خارجية الولايات المتحدة على مر العقود. وأجمع زعماء الدول الغربية على التنويه بالدفاع القوي لكيسينجر عن مصالح الولايات المتحدة. بيد أن المعلقين على مواقع التواصل الاجتماعي وصفوه، أمس، بأنه «مجرم حرب»، لكن الرئيس السابق بوش (الابن) وصفه بأنه أحد الأصوات المميزة التي يُعتمد عليها. وقد خدم كيسينجر في عهد إدارتي الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد. وكان الصينيون أشد تحسراً على رحيل الثعلب الأمريكي العجوز؛ فقد عرفه الصينيون باعتباره الشخص الوحيد الذي نجح في فتح الطريق أمام علاقات رسمية بين الحزب الشيوعي الصيني والولايات المتحدة. ووصفه صينيون كثر بأنه «صديق قديم» للصين. وعرضت التلفزة الحكومية الصينية لقطات من أول زيارة سرية قام بها لبكين في عام 1971. ويظهر في المشهد لقاؤه مع رئيس وزراء الصين الراحل شوين لاي. وقال وزير الخارجية السابق مايك بومبيو «إن كيسينجر ترك بصمة لا يمكن أن تنمحي من تاريخ أمريكا والعالم». وكتبت مجلة (رولينغ ستونز) في عددها أمس بالخط العريض: «أخيراً.. توفي هنري كيسينجر مجرم الحرب الذي تحبه الطبقة الحاكمة في أمريكا». وأضافت أن «حملات القصف الجوي التي وافق عليها كيسينجر أسفرت عن مقتل مئات الآلاف من الكمبوديين». وكتبت الأكاديمية بجامعة ولاية أريزونا سوفال إيار، في موقع (كونفرسيشن)، «إن القنابل العنقودية التي ألقيت في كمبوديا، بعلم كيسينجر، لا تزال تدمر حياة كل رجل وامرأة وطفل تعرض لها».

وعلى رغم أن كيسينجر تقاعد تحت وطأة تقدم العمر؛ إلا أنه ظل يملك حضوراً مؤثراً وملموساً في الدبلوماسية الدولية؛ ففي يوليو 2023 ذهب إلى الصين، حيث التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ، في وقت تردت العلاقات بين واشنطن وبكين إلى أدنى مستوياتها. وقالت كريمتا الرئيس نيكسون تريشيا نيكسون كوكس وجولي نيكسون آيزنهاور «إن شراكة قوية جمعت والدهما بكيسينجر»؛ وهي شراكة شهدت قيام كيسينجر بابتدار مفاوضات باريس، التي وضعت حداً لحرب فيتنام. وقالت ابنتا نيكسون في بيان: «قام الدكتور كيسينجر بدور مهم في الانفتاح التاريخي على جمهورية الصين الشعبية، وتشجيع الوفاق مع الاتحاد السوفياتي، واختط بداية النهاية للحرب الباردة». وساعدت دبلوماسية المكوك التي قام بها في الشرق الأوسط في تخفيف التوترات في تلك المنطقة الغارقة في الاضطراب.

تولى كيسينجر رئاسة الدبلوماسية الأمريكية من 1969 حتى 1977، وقد استحدث تعبير وممارسة (دبلوماسية المكوك)؛ التي استخدمها للمرة الأولى في الشرق الأوسط. وبدأت أهميته تتزايد في أتون محنة فضيحة (ووترغيت)؛ التي انتهت باستقالة الرئيس نيكسون؛ فقد وجد كيسينجر نفسه يقوم بما يشبه دور (الرئيس المشارك) للولايات المتحدة، خصوصاً بعدما أضحى نيكسون منهمكاً في تحديد مستقبله بعد افتضاح عملية ووترغيت، للتلصص على مقر الحزب الديموقراطي الأمريكي. وقال كيسينجر لموظفي البيت الأبيض إنه الشخص الوحيد الذي منع «ذلك المجنون الثمل (نيكسون)» من ارتكاب حماقة تفجّر العالم كله. واكتسب كيسينجر، خلال سنوات توليه رئاسة الدبلوماسية الأمريكية، لقب (زير النساء)؛ بسبب حرصه على الظهور مع حسناوات السينما والمجتمع الأمريكي. وقضى كيسينجر عقوده الأخيرة في إلقاء المحاضرات، وتقديم المشورة للرؤساء الديموقراطيين والجمهوريين، والقيام بجولات في العواصم للتوصل إلى صفقات لتقديم استشارات باهظة الثمن، من خلال مكتبه الاستشاري الخاص. وحتى وفاته، ظل منتقدوه يرون أنه تنبغي محاكمته على الكوارث التي تسبب بها في جنوب شرق آسيا، ومساندته الأنظمة القمعية في أمريكا الجنوبية.

أول يهودي يرأس الدبلوماسية الأمريكية

ولد هاينز ألفريد كيسينجر في مدينة فورث، بمقاطعة بافاريا الألمانية في 27 مايو 1923، لعائلة يهودية أرثوذكسية. وفي 1938، هاجرت أسرته إلى نيويورك؛ للنجاة من بطش ألمانيا النازية. وفي 1943، حصل على الجنسية الأمريكية. وعلى رغم ضراوة معارك الحرب العالمية الثانية، عاد كيسينجر لألمانيا، بصفته جندياً في فرقة المدفعية الأمريكية. وعمل مترجماً لشُعبة عمليات الاستخبارات؛ ما أدى إلى التضييق على عناصر جهاز الأمن النازي (الجيستابو). وبعد أن عمل سنوات عدة بجامعة هارفارد، انضم إلى إدارة الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون مستشاراً للأمن القومي في 1969، وشغل منصبي مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية خلال عهدي الرئيسين نيكسون وجيرالد فورد. واستطاع خلال سنوات رئاسته للدبلوماسية الأمريكية، وهو أول يهودي يتولى هذه الحقيبة، أن يبرز في ملفات عدة شغلت العالم إبّان السبعينات، خصوصاً حرب فيتنام، وتطبيع العلاقات بين أمريكا والصين، وتوقيع اتفاق للحد من التسلُّح الاستراتيجي مع الاتحاد السوفياتي، والتوصل إلى التسوية التي أوقفت حرب أكتوبر 1973 بين العرب وإسرائيل. وفي 1973 اختارته لجنة جائزة نوبل للحصول على جائزة السلام، لمشاركته في مفاوضات باريس، التي توصلت لوقف النار في فيتنام، وسحب القوات الأمريكية، وضمان بقاء حكومة فيتنام الجنوبية. واختاره الرئيس السابق جورج دبليو بوش (الابن) رئيساً للجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر 2001. لكنه استقال، لأنه لم يشأ الإعلان عن أسماء عملاء شركته الاستشارية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى