اخبار البحرين

جامعة الدولة العربية.. 79 عامًا من الإنجازات لصالح الدول والشعوب العربية

· تأسيس جامعة الدول العربية بداية مرحلة مهمة في تاريخ الأمة والشعوب العربية
· منذ التأسيس .. إسهامات بارزة للجامعة العربية في دعم حصول الدول العربية على استقلالها، وشكلت قاطرة مهمة في قيادة التعاون العربي في جميع المجالات
· مبادرة جلالة الملك بتأسيس محكمة حقوق الإنسان العربية من أبرز تطورات العمل العربي المشترك في إطار جامعة الدول العربية
· الجامعة العربية ستظل الإطار الرسمي والتنظيمي الذي يعبر عن التطلعات والآمال في التضامن والتكامل

المنامة في 23 أبريل/ بنا /استطاعت جامعة الدول العربية وعلى مدى 79 عامًا قيادة مسيرة العمل العربي المشترك بنجاح رغم التحديات التي واجهت الأمة العربية، وأصبحت عنصرًا فاعلاً يقود جهود تحقيق التعاون العربي وتطويره، بما يتناسب مع مقتضيات الواقع وتطلعات المستقبل.

الحديث عن أهمية القمم العربية (سواء العادية أو الطارئة) والتي تستضيف دورتها العادية الثالثة والثلاثين مملكة البحرين في مايو المقبل وعن أثرها في تاريخ الأمة العربية، لا يمكن أن ينفصل عن سرد السياق التاريخي الذي انطلقت منه، حيث شكّل تأسيس جامعة الدول العربية في 22 مارس عام 1945م، بداية مرحلة مهمة في تاريخ الأمة والشعوب العربية التي راودتها فكرة الوحدة لمئات السنين، حيث كانت الجامعة، ولا تزال، الإطار الرسمي والتنظيمي الذي يعبر عن هذه التطلعات والآمال في التضامن والتكامل.

وتعد جامعة الدول العربية أقدم منظمة إقليمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث سبقت نشأتها الأمم المتحدة، ومجلس أوروبا، والسوق الأوروبية المشتركة، وكانت لها على مدى العقود الماضية إسهامات بارزة في دعم حصول الدول العربية على استقلالها، وشكلت قاطرة مهمة في قيادة التعاون العربي في جميع المجالات،من خلال إنشاء مجموعة متنوعة من الأجهزة والمنظمات التابعة لها، والتي غطت جميع المجالات السياسية والأمنية والدفاعية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والشبابية، فضلا عن دورها الحيوي في تمثيل الدول العربية في مختلف المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، ورابطة “الآسيان”، وغيرها.

ولقد بزغت فكرة تأسيس جامعة الدول العربية في منتصف القرن الماضي، وتبلورت من خلال سعي عدد من الدول العربية لإنشاء تجمع يعبر عن الهوية العربية، ويجمع شمل الدول التي تتكلم اللغة العربية في إطار مؤسسي واحد، يتناسب مع ما يشهده العالم في المرحلة التي تلت الحرب العالمية الثانية من توجه نحو التكتلات الدولية والإقليمية.

وكانت اللبنة الأولى من مصر التي شهدت مطلع العام 1944 المشاورات العربية التمهيدية لإنشاء تجمع عربي، ثم في 12يوليو 1944 وجه رئيس الوزراء المصري الراحل مصطفى النحاس الدعوة للحكومات العربية التي شاركت في المشاورات لإرسال مندوبيها للاشتراك في اللجنة التحضيرية للمؤتمر العربي العام، وهي اللجنة التي تولت صياغة المشروعات لتحقيق الوحدة العربية، حيث اجتمعت اللجنة بالإسكندرية في 25 سبتمبر 1944، وتم خلال الاجتماع الاتفاق على الأطر العامة للفكرة، والتي تبلورت من خلال “بروتوكول الإسكندرية”، الذي تم التوقيع عليه في 7 أكتوبر1944، وهو الإطار العام الذي حدد ملامح فكرة قيم الجامعة العربية وأهدافها.

وتضمن “البروتوكول” العديد من المبادئ الرائدة التي أسهمت في صياغة الأطر القانونية والتنظيمية لنشأة الجامعة وآليات قبول الدول الأعضاء وأولويات عملها، حيث نص على: قيام جامعة الدول العربية من الدول العربية المستقلة التي تقبل الانضمام إليها، وأن يكون لها مجلس تمثل فيه الدول المشتركة في الجامعة على قدم المساواة يختص بمراعاة تنفيذ ما تبرمه الدول الأعضاء فيما بينها من اتفاقيات وعقد اجتماعات دورية لتوثيق الصلات بينها والتنسيق بين خططها السياسية تحقيقًا للتعاون فيما بينها وصيانة استقلالها وسيادتها من كل اعتداء بالوسائل السياسية الممكنة، والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية.

كما نص “البروتوكول” على أنه لا يجوز الالتجاء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين من دول الجامعة، أو إتباع سياسة خارجية تضر بسياسة جامعة الدول العربية أو أية دولة من دولها، بالإضافة إلى إعطاء كل دولة من الدول الأعضاء بالجامعة الحق في أن تعقد مع دولة أخرى من دول الجامعة أو غيرها اتفاقات خاصة لا تتعارض مع نصوص أحكام البروتكول وروحها.

وفى 22 مارس 1945 تم التوقيع على ميثاق جامعة الدول العربية من قبل مندوبي الدول العربية وهي : مصر، سوريا، لبنان، العراق، الأردن، إلى جانب المملكة العربية السعودية واليمن اللتين وقعتا على الميثاق في وقت لاحق، ثم توالى انضمام الدول العربية الأخرى، ليصل عدد الأعضاء حاليًا إلى 22 دولة، كانت أخرها جمهورية القمر المتحدة التي انضمت في العام 2003.

ويتألف ميثاق الجامعة من ديباجة وعشرين مادة، وثلاثة ملاحق خاصة، وقد أشارت الديباجة إلى أن الدول ذات الصلة وافقت على الميثاق بهدف تدعيم العلاقات والوشائج العربية في إطار من احترام الاستقلال والسيادة بما يحقق صالح عموم البلاد العربية.

ويعبر ميثاق الجامعة العربية عن الأطر والأهداف العامة التي على أساسها تم إنشاؤها، حيث ينص في مادته الأولى على أن الجامعة تتألف من الدول العربية المستقلة الموقعة عليه، ومنح الحق لكل دولة عربية مستقلة فى أن تنضم للجامعة، فيما توضح المادة الثانية الهدف منها، وهو توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها، وتنسيق خططها السياسية، تحقيقًا للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها، والنظر بصفة عامة فى شئون البلاد العربية ومصالحها.

ووفقًا للميثاق، فإن جامعة الدول العربية تتكون من ثلاث هيئات أو أجهزة رئيسية، أولها “مجلس الجامعة”، والذي يختص بمراعاة تنفيذ ما تبرمه الدول الأعضاء من اتفاقيات في مختلف المجالات، واتخاذ التدابير اللازمة لدفع العدوان الفعلي أو المحتمل الذي قد يقع على إحدى الدول الأعضاء، وفض المنازعات بين الدول الأعضاء بالطرق السلمية مثل الوساطة والتحكيم وتحديد وسائل التعاون مع الهيئات الدولية وبما يحفظ السلم والأمن الدوليين، وتعيين الأمين العام للجامعة، وتحديد أنصبة الدول الأعضاء في ميزانية الجامعة وإقرارها، ووضع النظام الداخلي الخاص به، وباللجان الدائمة، وبالأمانة العامة.

والهيئة الثانية هي “اللجان الدائمة”، حيث نص الميثاق في مادته الرابعة على تشكيل عدد من اللجان الدائمة المعنية بمختلف مجالات التعاون فيما بين الدول الأعضاء، تختص بعدة مهام منها: إنجاز مشروعات الاتفاقيات التي وقعتها الدول الأعضاء ومن بينها اتفاقية الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي، واتفاقية الاتحاد العربي، وغيرها، أما الهيئة الثالثة فهي “الأمانة العامة”، التي تتولى العديد من المهام، ومنها متابعة تنفيذ قرارات مجلس الجامعة ولجانها، وتحديد تاريخ دورات انعقاد مجلس الجامعة، وتوجيه الدعوة لعقد اجتماعات مجلس الجامعة واللجان الدائمة، وتنظيم أعمال السكرتارية ذات الصلة، وإعداد ميزانية الجامعة، إلى المهام السياسية المناط بها الأمين العام وبينها حضور اجتماعات مجلس الجامعة، وتقديم تقارير أو بيانات شفوية ومكتوبة عن أية مسألة يبحثها المجلس، وحق توجيه نظر المجلس أو الدول الأعضاء في الجامعة إلى مسألة يقدر الأمين العام أهميتها، وحق تمثيل الجامعة لدى المنظمات الدولية، وحق التحدث باسم الجامعة والتوجه للرأي العام بالبيانات اللازمة.

ولقد جسدت معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي التي وقعتها الدول الأعضاء بالجامعة العربية في العام 1950، مدى الإدراك للترابط بين البعدين الأمني والاقتصادي ودورهما في توفير الظروف الملائمة لتحقيق النهضة العربية، وأنشأت المعاهدة عدة أجهزة في مجال الأمن الجماعي، منها: مجلس الدفاع المشترك، واللجنة العسكرية، والهيئة الاستشارية العسكرية من رؤساء أركان حرب جيوش الدول، كما تطرقت إلى الجانب الاقتصادي عن طريق تأسيس مجلس اقتصادي يكون له دور استشاري من خلال تقديم مقترحاته لحكومات الدول العربية حول ما يراه كفيلاً بتعزيز التعاون الاقتصادي العربي.

ومن هذا المنطلق تم تأسيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وتم توقيع اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري العربي في عام 1953، واتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية في عام 1957، ثم صدور قرار إنشاء السوق العربية المشتركة في عام بالإضافة إلى استراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك، وميثاق العمل القومي الاقتصادي، ومشروع عقد التنمية المشتركة، والاتفاقية الموحدة للاستثمار، وتوقيع اتفاقيّة التجارة الحرّة العربيّة في العام 1997، وغيرها.

كما تمتلك الجامعة العربية عددًا كبيرًا من المجالس الوزارية المتخصصة، منها مجلس وزراء الإعلام العرب؛ مجلس وزراء الصحة العرب؛ مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب؛ مجلس وزراء الداخلية العرب، مجلس وزراء البيئة والشباب والرياضة؛ والكهرباء والطاقة، وغيرها، كذلك أنشأت الجامعة عددًا من الاتحادات والمؤسسات المتخصصة، ومنها: اتحاد إذاعات الدول العربية، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم؛ منظمة العمل العربية، منظمة المرأة العربية؛ البرلمان العربي؛ وغيرها العشرات من الأجهزة التي تناقش وتضع الاسترايجيات التي تهدف إلى تعزيز التعاون العربي العربي.

ولعل من أبرز تطورات العمل العربي المشترك في إطار جامعة الدول العربية هي الدعوة التي أطلقها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، حفظه الله ورعاه، بتأسيس محكمة حقوق الإنسان العربية، ثم مبادرة جلالته خلال القمة العربية الرابعة والعشرين بالدوحة في مارس 2012، بأن تكون المنامة مقراً دائماً لانطلاق أعمال المحكمة وأنشطتها. في خطوة شكلت نقلة نوعية ومهمة ورؤية مستقبلية تواكب تطلعات الشعوب العربية نحو تلبية متطلبات حماية حقوق الإنسان، وهو الأمر الذي حظي بترحيب عربي واسع.

إن جامعة الدول العربية على مدى ثمانية عقود نجحت في قيادة العمل العربي المشترك إلى آفاق متعددة، واستطاعت أن تكون عنصرًا للتوازن في مواجهة الأزمات التي مرت بها الأمة العربية والدول الأعضاء، وشكلت حاضنة مهمة لتعزيز التضامن والتعاون السياسي والاقتصادي والأمني، والدفاع عن حقوق ومصالح الشعوب العربية، كما كانت مساهمًا رئيسيًا في تحقيق السلام والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.

ومما لا شك فيه، فإن استضافة مملكة البحرين للقمة العربية الثالثة والثلاثين في مايو المقبل ستكون بمثابة حدث تاريخي مهم، فمملكة البحرين حريصة على أن توفر للقمة كل مقومات النجاح، وأن تكون قمة “البحرين ” وما سيصدر عنها من بيان ختامي إضافة لمسيرة العمل العربي المشترك، والنهوض بمنظومة العمل الجماعي العربي بالشكل الذي يعزز قدرة الدول والشعوب العربية على الوفاء بالتزامات الحاضر واحتياجات المستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى