اخبار

المسؤولة المستقيلة من الخارجية الأمريكية بسبب حرب غزة تكشف أجواء الخوف في الوزارة

 نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريراً أعدّه مايكل بيرنباوم، نقل فيه عن المسؤولة المستقيلة من وزارة الخارجية الأمريكية هالة غريط قولها: “لن أكون سبباً في كراهية المزيد لأمريكا”.

وأشار فيه إلى أن غريط كانت دبلوماسية مخضرمة مارست عملها بشكل مستمر عبر ردهات السلطة، وليس الأضواء، عندما قررت تغيير مسار عملها لكي تصبح وجه الدبلوماسية الأمريكية في الصحافة العربية. وعلقت على هذا بقولها: “شعرت أنه سيكون مشوقاً للغاية”، مضيفة، في أول لقاء لها بعد استقالتها من عمل في الخارجية استمر على مدى 18 عاماً، أنها لم تعد قادرة على الدفاع عن سياسة إدارة بايدن من الحرب في غزة، و”لم أتوقع هذه النهاية أبداً”.

وبعد سبعة أشهر من دعم الإدارة اللامحدود لإسرائيل، كانت غريط أول مسؤولة كرّست حياتها للعمل الدبلوماسي تستقيل من عملها احتجاجاً على سياسة تقول إنها مثّلت نكسة للمصالح الأمريكية في العالم العربي، ولجيل قادم. وقالت إنها رأت في استمرار تدفّق الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل مساهمة في الأزمة الإنسانية في غزة، ومصدراً لتأجيج المشاعر الغاضبة ضد أمريكا في العالم العربي. وقالت إن المسؤولين في داخل الخارجية كانوا خائفين من التعبير عن وجهة نظر مخالفة للموقف الرسمي من الحرب، وعلى خلاف الموضوعات الأخرى التي شهدتها أثناء عملها الدبلوماسي، حيث كان النقاش فيها قوياً.

ورفضت وزارة الخارجية التعليق على تفاصيل استقالتها ولأسباب شخصية. وقال المتحدث باسم الوزارة إن وزير الخارجية، أنطوني بلينكن، يرحب بالآراء المختلفة، ويقرأ البرقيات التي ترسل عبر قناة الاعتراض. وعقد وزير الخارجية عدداً من الاجتماعات في القاعات المفتوحة مع الدبلوماسيين لكي يستمع لوجهات النظر المتعارضة.

 ويُظهِر رفض غريط معالجة الرئيس الحرب في غزة  الطريقة التي قسمت فيها واشنطن وبشكل حاد، بل وحتى الديمقراطيين من تيار الوسط باتوا ناقدين لطريقة معاملة إسرائيل للمدنيين في غزة، وطرحوا فكرة حجب الدعم العسكري عن إسرائيل، حالة لم تغير سلوكها.

وفي وقت اندلعت الاحتجاجات الطلابية في كل أنحاء الولايات المتحدة، وفي الوقت الذي يزور فيه بلينكن الشرق الأوسط لمتابعة محادثات وقف إطلاق النار والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، وتأمين تدفق الدعم الإنساني للفلسطينيين، يؤكد قادة إسرائيل مضيهم في تنفيذ خطط اجتياح مدينة رفح، وهي آخر مدينة في القطاع لم تدخلها القوات الإسرائيلية، سواء باتفاقية أم بغير ذلك، وهي خطوة تقول الولايات المتحدة إنها تعارضها.

 ووصفت غريط رحلتها الوحيدة وسط مخاوف من زملائها السابقين من الاستهداف، أو تعرّضهم للعقاب بسبب تعبيرهم عن مواقف تناقض السياسة الأمريكية.

وتعلق الصحيفة بأن إدارة بايدن وجّهت المسؤولين بعدم التوقف عن إرسال الأسلحة لإسرائيل، رغم شجبهم الغارات الجوية الإسرائيلية التي قتلت عمال الإغاثة الإنسانية، في وقت قتل فيه أكثر من 34,000 فلسطيني منذ بداية الحرب.

ولم يستقل من وزارة الخارجية غير غريط، سوى مسؤولين آخرين، وهما جوش بول، المسؤول المدني الذي كان مسؤولاً عن الدعم العسكري الخارجي، وأنيل شيلاين، التي عملت لمدة عام في مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل بالوزارة،  وكلاهما عاشا في واشنطن، خلافاً لغريط، التي كانت واحدة من المتحدثين باللغة العربية باسم الخارجية، حيث اتخذت دبي مقراً لها، مضيفة: “أؤمن بقوة التغيير من الداخل، وأعتقد بقوة الدبلوماسية الجيدة، ولا زلت أعتقد بهذا”. وعلقت قائلة: “في نهاية المطاف، اتضح لي تماماً، ومن خلال المحادثات الكثيرة التي أجريتها ألا أحد في داخل الوزارة، وباستثناء الوزير نفسه، وليس موظفاً في الخدمة الخارجية، قادر على إحداث تغيير حقيقي”.

ونشأت غريط في نيفادا بكاليفورنيا، ودرست الشؤون الدولية ودراسات الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن، حيث انضمت إلى وزارة الخارجية بعد تخرجها مباشرة من الجامعة. وقالت: “أردت مساعدة بلدي، وبالتأكيد كنت أريد تقوية علاقات الدول الأخرى والولايات المتحدة”.

وخلال مسيرتها المهنية عملت  في مجال مكافحة التمويل الإرهابي بقطر، والعنف المتطرف في جنوب أفريقيا، ومسؤولة سياسية في اليمن، من بين مهام شغلتْها. و

في شهر تشرين الأول/أكتوبر، مع بداية الحرب في غزة توقفت غريط عن إجراء محادثات مع الصحافة العربية، لأن المواقف الرسمية كانت ستشعل الموقف لا تخففه، كما تقول. وأضافت أن النقاط التي طلب منها تردادها “كانت مستفزة جداً”، و”في معظم الأحيان كانت تتجاهل الفلسطينيين، وفي البداية كانت مثقلة بفكرة “لإسرائيل الحق بالدفاع عن نفسها”، نعم، لإسرائيل الحق بالدفاع عن نفسها، لكن لم يكن هناك أي ذكر لمحنة الفلسطينيين. ولم أكن أستطيع، وبضمير مرتاح، الذهاب إلى التلفزة العربية وأتحدث بهذه النقاط. وكان هذا مدعاة لأن يرمي أشخاص الأحذية على التلفزيون والرغبة بحرق العلم الأمريكي بل والأسوأ إطلاق صواريخ ضد جنودنا”. و”قلت، لن أكون سبباً في كراهية أحد لأمريكا أكثر”.

قالت غريط إنها خشيت من حمل الأطفال الذين تيتّموا بسبب الحرب في النهاية “السلاح من أجل الانتقام، ونحن نروّج لدوامة الانتقام الجيلي، والتي لا تجعل الإسرائيليين يعيشون بأمن”.

وبدلاً من التحدث للإعلام العربي، ركّزت غريط على ملامح أخرى من وظيفتها، وهي رصد الصحافة العربية، وطريقة تغطيتها للحرب ونقل المواقف من خلال القنوات الداخلية:

 “كنت أشاهد، وعلى قاعدة يومية، الصور التي تنتشر مثل النار في الهشيم في العالم العربي عن الأطفال الموتى”، و”كيف لا تتأثر كبشر، أو أم؟ وكان الأمر مدمراً لمعرفة أن قنابلنا هي على الأرجح التي قتلت هؤلاء الأطفال. وما يزيد الطين بلّة معرفة أننا، وبرغم كل الموت، لا نزال نرسل المزيد من الأسلحة، لأننا كنا نفكر بطريقة ما أنها هي الحل، وهذا جنون، فكل ما كنا بحاجة إليه هو الدبلوماسية لا السلاح”.

وتكشف غريط عن مناخ “الخوف وعدم الارتياح” بين الدبلوماسيين داخل وزارة الخارجية، التي لم يكن من السهل فيها التعبير عن القلق من السياسة. فقد كان “الناس خائفين من الحديث مع بعضهم البعض، ولم يكن الناس يعرفون ما يشعر به الآخرون، ولهذا حاولوا التقييم، كما تعرف من خلال ما هو شعورك؟ وكان الناس خائفين من ذكر غزة في العمل، وكانوا يحاولون التظاهر أنها غير موجودة”.

 وقالت إن زملاءها تعاملوا معها بطريقة مختلفة لأصولها العربية الأمريكية، و”هو بصراحة ما أغضبني حتى النخاع، لأنني دبلوماسية أمريكية، نقطة”. مضيفةً أن أصولها المغربية لا علاقة لها بما توصي به لصنّاع السياسة الأمريكية. و”عليك ألا تكون أمريكياً بكلمات موصولة كي تتأثر بما يجري في غزة”، تقول غريط.

وظهر في داخل الوزارة عددٌ من الآراء المتناقضة، حيث سجّل المسؤولون مواقفهم المعارضة من خلال قناة الاعتراض حفاظاً عليهم من التداعيات. والتقى بلينكن مع البعض، وأكد لهم ترحيبه بالمواقف المختلفة، فيما أكد عددٌ من الموظفين على مديرة وكالة المساعدة والتنمية الأمريكية، سامنثا باور، وهي باحثة معروفة في موضوع “الإبادة”، عمل المزيد لتغيير السياسة.

 وقال المتحدث باسم الخارجية فيدانت باتل، في رد على سؤال حول استقالة غريط بأنها “تتعلق بهذا الأمر الشخصي، ولن أتحدث عن تفاصيل”. وأشار باتل إلى قناة الاعتراض التي لا تزال قائمة، ويقرأ بلينكن كل برقية ترد فيها.

إلا أن غريط رأت في قناة الاعتراض مجرد استعراض ولا أثر على تغيير السياسة، و”خاف الناس من الانتقام”، و”تساءلوا، ماذا سيفعل هذا لمسيرتي؟ وكيف سيرد الناس؟ وكان هذا أمراً غير عادي، لأنني، وخلال عملي لمدة 18 عاماً، وأياً كان الرئيس، ومهما كانت السياسة، فقد كان هناك دائماً حوارات داخلية قوية، حول ما نفعله بشكل صحيح، وما نقوم بعمله خطأ، وفي هذا الصراع كان هناك هذا التأثير الغريب المخيف”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى