اخبار المغرب

رئيس جماعة في المحمدية “تنجح” شركته في بناء مدرسة خلال 30 يوما بعد إصداره رخصا غريبة

قضية مثيرة تلك التي تلاحق مسؤولين محليين في عمالة المحمدية. ففي جماعة بني يخلف، المزدهرة بأنشطة البناء بوصفها امتدادا حضريا لمدينة المحمدية المأهولة، ينتصب رئيس جماعة متحديا الجميع، بما في ذلك قوانين البناء.

لنبدأ القصة.

في 27 يوليوز 2021، أصدر رئيس جماعة بني يخلف، سعيد رفيق، وهو على مقربة حوالي شهر من نهاية ولايته آنذاك، رخصة بناء لفائدة شركة “ما حلا سكن” للتطوير العقاري.

بموجب هذه الرخصة، يجيز رئيس الجماعة للشركة تنفيذ مشروع مدرسة. يتكون المشروع من طابق أرضي، ثم أعلاه ثلاثة طوابق إضافية. أيضا هناك طابق تحت أرض. يشير قرار الترخيض إلى أن الشركة قدمت طلبها في 14 غشت 2020. ستستغرق الجماعة حوالي عام كامل لفحص ملف هذه الشركة.

يبدو تسلسل الوقائع عاديا. لكن دعنا نلقي الضوء على بعض التفاصيل.

شركة “ما حلا سكن” ليست عادية. الشريك الرئيسي فيها هو رئيس جماعة بني يخلف نفسه. ولقد أسسها عاما بعد توليه رئاسة الجماعة عام 2015. في السجل التجاري الخاص بهذه الشركة، فإن اسم رئيس الجماعة يرد باعتباره واحد من المسيرين الاثنين.

إذا كان صاحب الشركة هو رئيس الجماعة، لماذا ظل منتظرا عاما كاملا يفحص طلب رخصة بناء لم يوقعها لفائدة نفسه إلا قبيل بدء فترة إيداع الترشيحات للانتخابات الجماعية عام 2021؟ لا يجيب رئيس هذه الجماعة على أي سؤال.

لكنه على ما يظهر رجل أفعال. بالنسبة لمشروع بناء هائل كتشييد مدرسة كبيرة من ثلاثة طوابق، حصل للتو على رخصته، فإن شركة رئيس الجماعة ستقدم نتائج غير قابلة للتصديق.

في ظرف شهر، سيمنح رئيس الجماعة، يوما واحدا قبل يوم الاقتراع، رخصة المطابقة لفائدة مشروع شركته. شهادة المطابقة وفق التعريف المبسط، وثيقة تمكن الإدارة من التأكد من أن أشغال بناء مخصص لغرض آخر غير السكن، قد تمت في احترام للقواعد والشروط المنصوص عليها في رخصة البناء.

جرت العادة لدى الجماعات، أن تبرمج زيارة للجنة المكلفة بمراقبة المطابقة في الأسبوع الموالي لوضع طلب الحصول على هذه الشهادة. وبعد زيارة اللجنة للموقع، ترفع محضرا تقر فيه بمطابقة التصميم المرخص أو تبدي ملاحظات على المشروع.

إذا أعطت اللجنة موافقتها، فإن رئيس المجلس الجماعي يمنح رخصة السكن أو شهادة المطابقة للمعني بالأمر في أجل لا يتعدى 30 يوما.

رخصة البناء المسلمة في 27 يوليوز 2021

لنعد إلى الوراء قليلا. في 27 يوليوز تسلمت شركة “ماحلا سكن” رخصة البناء. في 1 شتنبر الموالي، يزعم رئيس الجماعة أن مهندسا أصدر شهادة نهاية الأشغال. في السابع من الشهر نفسه، يوقع رئيس الجماعة رخصة المطابقة لفائدة مشروع شركته.

بعد يوم كامل، سيجرى الاقتراع، وسيعود رئيس الجماعة إلى منصبه مظفرا. حصل حزبه، الاستقلال، على أغلبية مطلقة في مجلس جماعة بني يخلف. ما الذي كان يخيف رئيس الجماعة إذن حتى ينهي كل الإجراءات المتعلقة بمشروع شركته يوما قبل الانتخابات؟ ليس هناك جواب.

مع ذلك، فإن المدة القياسية التي لخصتها الأوراق لعملية تنفيذ مشروع ضخم، ستجعل الجميع مندهشين. في الثاني من فبراير الماضي، تشكلت لجنة من السلطات المحلية، لمعاينة هذا المشروع بعد حوالي عام ونصف على تنفيذه وتأمين إجراءاته الورقية.  في محضر كتب بإشراف من باشا مدينة بني يخلف، نقرأ عبارة جافة لكنها ملفتة: “الفترة الزمنية الفاصلة بين تاريخ الحصول على الرخصة، وتاريخ تسليم شهادة المطابقة لا تتجاوز 40 يوما، وهي مدة زمنية غير كافية لإنجاز مشروع بهذا الحجم”.

في الواقع، فإن أعمال البناء بدأت قبل وقت طويل من التاريخ الموجود على ورقة رخصة البناء.

بناية المدرسة المثخنة بانتهاكات قوانين البناء حيث يقال إنها بنيت في شهر واحد
بناية المدرسة المثخنة بانتهاكات قوانين البناء حيث يقال إنها بنيت في شهر واحد

عُين هذا الباشا في شتنبر 2022، بينما جرى نقل سلفه، الذي جرت هذه الوقائع تحت سلطته، إلى منطقة أخرى دون أن يخضع لأي إجراءات مساءلة.

لم تتشكل هذه اللجنة بشكل تلقائي، فقد بعث عامل المحمدية، هشام العلوي المدغري، برقية في 31 يناير يطلب فيها معاينة بناية المدرسة.

وفق محضر المعاينة، فإن اللجنة رصدت مخالفات بناء عدة: تغيير على مستوى الواجهات، بناء أدراج فوق الملك العمومي على الواجهتين الأمامية والجانبية اليسرى، تغييرات داخلية على جميع الطوابق (R+3/ S/SOL)، وبناء سياج حديدي من جهتين بجانب مقر المدرسة فوق أرض مخصصة كمساحة خضراء.

لنقل إن رئيس الجماعة لم ينتبه إلى كل هذه المخالفات عندما كان يوافق على منح شركته شهادة المطابقة.

سلطة مطلقة

رغم أن رئيس هذه الجماعة ينبغي أن يشعر بالتهديد من أعمال الرقابة هذه، إلا أن الواقع على خلاف ذلك. اللجنة التي تشكلت بأمر من السلطات المحلية لمعاينة المدرسة، ضمت عضوين من الجماعة، هما عبد الخالق الداودي، وعبد اللطيف نبهاني.

في محضر لجنة المعاينة نفسه، كتب قائد الملحقة الإدارية الثانية بمدينة بني يخلف ما يلي: “ممثلا الجماعة صرحا أنهما لن يشاركا في معاينة المدرسة بتعليمات من رئيس الجماعة بدعوى عدم توصلهما ببرقية في الموضوع”.

رئيس الجماعة سلم شهادة المطابقة في 7 شتنبر 2021
رئيس الجماعة سلم شهادة المطابقة في 7 شتنبر 2021

لم يكن ذلك مهما بالنسبة لمصير رئيس الجماعة. في 9 فبراير، أي بعد أسبوع فقط من تحرير محضر المعاينة، سوف تدين المحكمة الابتدائية استنادا إلى دعوى قدمتها السلطات، رئيس هذه الجماعة بغرامة قدرها 30 ألف درهم، مع هدم ما تم بناؤه جراء انتهاكات قانون التعمير. كان هذا الحكم الأولي نتيجة لخطوة قائد الملحقة الثانية في بني يخلف في 19 دجنبر الماضي، بتحرير محضر مخالفة ضد سعيد رفيق بصفته صاحب المدرسة، وإحالته على النيابة العامة بالمحكمة الابتدئاية في المحمدية.

هل كان عامل المحمدية يستبق قرار المحكمة؟ ليس تماما، ربما.

إثر طلبه تشكيل لجنة معاينة في 31 يناير، أحيل محضر المعاينة المنجز في 2 فبراير، على النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية في المحمدية، ومنذ 27 فبراير، يواجه رئيس جماعة بني يخلف مسطرة قضائية جديدة.

لكن في غضون ذلك، يطلب عامل عمالة المحمدية أن نتحدث عن سعيد رفيق كاسم، وليس كرئيس جماعة. في مذكرة جوابية قدمت نيابة عنه إلى المحكمة الإدارية في الدار البيضاء في 16 ماي، نقرأ العبارة التالية: “إن (..) ارتكاب رئيس المجلس الجماعي لبني يخلف مخالفة تعميرية موضوع حكم قضى بإدانته بغرامة مالية وهدم ما تم بناؤه بدون ترخيص، يتعلق بسلوك السلطة المختصة مسطرة زجر مخالفة تعميرية في حق سعيد رفيق ومن معه باسمهم وليس بصفته رئيسا للمجلس الجماعي لبني يخلف”.

يواجه عامل المحمدية مسطرة في القضاء الإداري كذلك بشأن طريقة معاملته رئيس جماعة بني يخلف.

يريد العامل أن نكتفي بالاسم الشخصي لرئيس الجماعة دون صفته خلال مساءلته عن انتهاكات قانون البناء. فهو في الواقع يريد زجر سعيد رفيق الذي خالف بصفته صاحب شركة، قوانين البناء، وليس سعيد رفيق الذي منح التراخيص والشواهد بصفته رئيس الجماعة لنفسه بصفته رئيس شركة أقامت مشروعا مليئا بالانتهاكات.

ينفي العامل وجود أي ليونة في موقفه، بل يطلب فقط وقتا أكبر قبل تحديد مصير رئيس الجماعة، فهو يقر بأن الأحكام لا تصبح نافذة إلا إذا كانت نهائية، بينما الحكم على سعيد رفيق “غير نهائي وغير مكتب لقوة الشيء المقضي به، والمحكوم ضده باشر الطعن بالتعرض ضد هذا الحكم (..)، وقد أدرجت المحكمة الملف للمداولة في 18 ماي”.

لننتظر.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى