اخبار

ما يحدث في غزة: هو تهجير هو تهجير..فيحاء عبد الهادي

ما يحدث في قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، على أيدي جيش الاحتلال الإسرائيلي؛ من مجازر مروّعة، وإبادة جماعية، وإرهاب ممنهج، وبث للرعب والهلع والخوف، وتدمير لشبكات المياه والمجاري والكهرباء، وكامل البنية التحتية، بما فيها المستشفيات، وأماكن العبادة، ومجمع المحاكم (قصر العدل)، والمجلس التشريعي؛ ما هو إلاّ امتداد لتاريخ طويل، ومخطط قديم للاستيلاء على أرض فلسطين، وتهجير الفلسطينيين – خطة دالت للتطهير العرقي، التي أعدّتها الهاغاناة – ؛ بدأ مباشرة بعد صدور قرار التقسيم؛ في 29 تشرين الثاني1947، وما زال مستمراً بأشكال ومسمّيات ووجوه متعددة.
وما استخدام مصطلحات غير دقيقة؛ لوصف عملية التهجير: هجرة طوعية، أو تهجير طوعي أو انتقال طوعي أو رحيل أو هجرة؛ سوى محاولة لتجميل وتبرير موضوع التهجير والترحيل، الذي هدف منذ بداياته وحتى الآن؛ إلى تطهير عرقي لفلسطين كلها.
 لا يكون التهجير طوعيًا ولن يكون، ومن الخطأ الفادح أن نستخدم هذا التعبير، الذي يرمي إلى التنصل من المسؤولية، وإلقاء اللوم على الضحايا عوضًا عن تحميل المسؤولية للمجرمين.
كما أن وصف التهجير بأنه قسري لا يضيف إلى معنى الكلمة شيئًا؛ لأن كلمة تهجير دالة في ذاتها لوصف عملية الاقتلاع والترحيل بالقوة والعنف، سواء تمّ هذا الاقتلاع تحت القصف بعشرات الآلاف من الأطنان من القنابل المحرمة دوليًا، أو ضرب الرصاص، أو إطلاق القذائف، أو رشق المدفعيات، أو إطلاق الصواريخ، أو تمّ نتيجة تحويل الحياة الطبيعية إلى جهنم على الأرض، والتسبّب بكوارث صحية وبيئية إنسانية؛ حيث لا طعام ولا شراب ولا مأوى ولا دواء ولا مستشفيات، ولا أي مقوّم من مقومات الحياة الآدمية.
*****
 يردّد بعض المسؤولين الفلسطينيين، وبعض أبناء الشعب الفلسطيني: «لن نكرّر خطأ أهلنا حين رحلوا عن أرضهم عام 1948»، في إشارة إلى عزم الشعب الفلسطيني البقاء على أرضه مهما اشتدّ بطش المحتل.
 ورغم أن ترداد العبارة يحمل نوايا حسنة بالتأكيد؛ إلاّ أنه يسيئ وللأسف – دون قصد – للرواية الفلسطينية التاريخية، هذه الرواية التي كشفت عنها التقارير والوثائق التاريخية ووثائق الأمم المتحدة، وبعض المؤرّخين الفلسطينيين نهاية الخمسينيات وأوائل الستينيات، والمؤرخين اليهود الجدد، أوائل الثمانينيات، والتي تبيِّن حقيقة ما حدث في فلسطين من تطهير عرقي للفلسطينيين عام 1948، واقتلاع من الأرض، وتدمير للبيوت والبلدات والقرى – بالتنسيق مع القوات البريطانية – بعد تعرَّض أبناء الشعب إلى عمليات إرهابية صهيونية، ومجازر مرعبة، وإلى قتل وحشي، وقصف جنوني، وحرق منازل ومتاجر ومنشآت وممتلكات شخصية، وترويع نفسي مخيف.
كما أن ما حدث من جرائم ضد الإنسانية كان مخفيًا، ويتمّ تناقله شفاهيًا، عدا عن النزر اليسير مما كان ينشر في الصحف ووكالات الأنباء، وبالذات ما ينشره المحتل الصهيوني، والذي كان يهدف إلى بثّ الرعب والخوف في نفوس الفلسطينيين، ويساهم في عملية التهجير والترحيل.
*****
وإذا كان المحتلّ الصهيوني، قد استطاع أن يعمي عيون العالم وضميره عمّا جرى عام 1948؛ فهو لن يستطيع أن يفعل الآن.
ما يجري في فلسطين اليوم؛ في القدس وجنين ونابلس وطولكرم والخليل ومدن وقرى ومخيمات فلسطين كلها، وخاصة في غزة؛ يفتح باب الذاكرة على مصراعيه حول ما حدث عام النكبة الأولى من جرائم ضد الإنسانية – مما حاول العالم محوه واقتلاعه من الذاكرة الجمعية -، في ظل ثورة الاتصالات، وتطور وسائل الإعلام، التي توثِّق ما حدث ويحدث يومياً، وتتناقله عبر وسائل الإعلام كافة، ووسائل التواصل الاجتماعي، من فظائع تهزّ ضمائر شعوب العالم، وتدفعه إلى مطالبة المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، بمباشرة التحقيق الجنائي مع مجرمي الحرب الإسرائيليين، الذين ارتكبوا الإبادة الجماعية في قطاع غزة، لمحاكمتهم وفق القانون الدولي.   
*****
 نحتاج أن نفعِّل الذاكرة التاريخية، في مثل هذه الأيام! ليس من أجل اجترار الماضي؛ بل من أجل إيقاظ العالم من سباته وتحيّزه وازدواجية معاييره، ونعيد الكلمات إلى أصلها، والمصطلحات إلى معانيها؛ بحيث يسود العالم القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، عوضاً عن سيادة العنف وشريعة الغاب، وحيث تسود القيم الإنسانية، التي يتمثل جوهرها بالحفاظ على كرامة البشر جميعًا دون تمييز، وحيث تلتزم دول العالم بالمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، التي صادقت عليها، والاتفاقيات الدولية، التي وقّعت عليها، وتقارير الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تنتسب إليها، وأهمها التقرير الذي صدر عن لجنة التحقيق الدولية المستقلة، التابعة للأمم المتحدة، بتاريخ  20 تشرين الأول 2022، والذي خلص إلى أن الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني بموجب القانون الدولي.
حقًا؛ لا حلّ ولا سلام ولا أمان إنسانيًا في العالم بأسره؛ دون إنهاء الواقع الاستعماري/ الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين، وتحقيق الاستقلال الوطني.
[email protected]
www.faihaab.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى