اخبار الإمارات

التغير المناخي والوضع الجغرافي الهش والسدود شكلت بعض أسباب فاجعة درنة

في درنة، وفي جميع أنحاء ليبيا، يتشارك الجميع قصيدة بعنوان «المطر»، حذر فيها شاعر المدينة مصطفى الطرابلسي، الذي توفي في الفيضانات، من خطر الفيضانات، وفي 6 سبتمبر، قبل أيام من كتابة القصيدة، كان قد حضر اجتماعاً في دار ثقافة درنة لمناقشة خطر حدوث فيضان في المدينة وحالة السدود. لقد كانت تلك القصيدة بمثابة جرس إنذار، اختار المسؤولون المعينون في درنة عدم سماعه. والآن، يقول السكان، إن صوتاً مختلفاً يتردد صداه في المدينة، صوت الكرب عندما تتحدث الأمهات عن فقدان أطفالهنّ.

تحذير آخر من الكارثة

يعيش معظم سكان ليبيا في المناطق الساحلية، وقد تؤدي العواصف الشديدة إلى إحداث أضرار واسعة النطاق في البنية التحتية، حسبما حذر تقرير موجز لعام 2021، صادر عن شبكة خبراء الأمن المناخي، وهي مجموعة تقدم المشورة بشأن المخاطر الأمنية المتعلقة بالمناخ.

وتقول المستشارة والباحثة الليبية في السياسات البيئية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ملاك الطيب، «لقد سلطت عاصفة دانيال الأخيرة الضوء على حقيقة أن ليبيا غير مستعدة للتعامل مع آثار تغير المناخ والظواهر الجوية المتطرفة»، وتضيف «لم يعد هناك سبب للمبالغة في اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة هذه القضايا الملحة».

درنة على شفا جرف

تم بناء مدينة درنة، الواقعة على الساحل الشمالي الشرقي لليبيا، على أنقاض مستعمرة يونانية قديمة، وصفها مدير مركز أبحاث السياسات، السيد القماطي، بأنها مدينة ساحلية جميلة، كانت معروفة بثقافتها وشعرها ومسرحها. ويضيف «كان السكان المحليون يزعمون أنها قطعة من الجنة سقطت من السماء».

إحدى الباحثات خلال زيارتها قبل بضعة أشهر لهذه المنطقة، وعبورها الوادي الذي غمرته المياه في نهاية هذا الأسبوع، تتذكر قائلة «لم أر أي مياه قط، وكنت أفكر دائماً، لماذا يوجد مثل هذا الوادي الكبير في هذه المساحة الفارغة هنا؟». والحقيقة هي أن مجاري الأنهار الجافة المنتشرة في شبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا يمكن أن تفيض بسرعة عندما تهطل الأمطار بغزارة، حيث تكافح الأرض الجافة لاستيعاب الأمطار الغزيرة. وتقول الباحثة: «ما حدث في درنة كان أبعد من التصور – ما كنا لنفكر أبداً في حدوث مثل هذه الأمطار الغزيرة في بلد صحراوي لم يشهد هذا النوع من الفيضانات».

بنية تحتية هشّة

الطقس المتطرف والحالة الجغرافية الهشّة والسدود والطرق الضعيفة كانت جميعها سبباً في حدوث أسوأ طوفان تشهده ليبيا منذ قرن تقريباً، فقد أفاد المركز الوطني الليبي للأرصاد الجوية بهطول أمطار قياسية على مدار 24 ساعة بلغت 414.1 ملم – أكثر من 16 بوصة – في البيضاء من الأحد إلى الإثنين، وفقاً للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية. وسقطت معظم الأمطار خلال ست ساعات فقط، بحسب مؤرخ الطقس ماكسيميليانو هيريرا. وكانت البيضاء بالمقارنة قد تلقت نحو نصف بوصة فقط من الأمطار في شهر سبتمبر، ونحو 21.4 بوصة من الأمطار في المتوسط في العام. ويقول العلماء إن تغير المناخ جعل هطول الأمطار الغزيرة أكثر شيوعاً في السنوات الأخيرة.

التغير المناخي أحد أسباب الكارثة

الفيضانات المفاجئة التي أودت بحياة آلاف الأشخاص في ليبيا هذا الأسبوع كانت جراء ما يسمى بإعصار البحر الأبيض المتوسط، وهي ظاهرة مناخية نادرة، ولكنها مدمرة، ويعتقد العلماء أنها ستتفاقم في عالم يزداد حرارة. المصطلح عبارة عن مزيج من كلمتي البحر الأبيض المتوسط والإعصار، يستخدمه العلماء والمتنبئون بالطقس، لكنه معروف لدى قلة من عامة الناس.

تشبه أعاصير البحر الأبيض المتوسط، التي تميل إلى التشكل فوق أجزاء من البحر الأبيض المتوسط بالقرب من ساحل شمال إفريقيا، الأعاصير المدارية، على الرغم من أنها يمكن أن تتطور فوق المياه الباردة. ويمكن أيضاً أن تحمل تشابهاً مادياً في صور الأقمار الاصطناعية ككتلة دوامية من السحب العاصفة تحيط بدائرة في المنتصف.

وتسبب الإعصار دانيال في هبوب رياح شديدة وأمطار، وصل منسوبها لما يقرب من 170 ملم في ليبيا. ويقول العلماء إن هذا يتفاقم مع ظاهرة الاحتباس الحراري. وتقول الأستاذة بجامعة ريدينغ، ليز ستيفنز: «نحن واثقون بأن تغير المناخ يزيد من هطول الأمطار المرتبطة بمثل هذه العواصف».

وعادة ما تكون أعاصير البحر الأبيض المتوسط أصغر وأضعف من نظيراتها الاستوائية، ولها مساحة أصغر للتطور. وتعادل قوتها القصوى عادةً إعصاراً من الفئة الأولى على مقياس سفيرسيمبسون، وتراوح سرعتها بين 119 و153 كيلومتراً (7495 ميلاً) في الساعة.

وأوضحت الأستاذة في قسم الأرصاد الجوية بجامعة ريدينغ، سوزان غراي، أن مثل هذه الأعاصير تميل إلى التشكل في الخريف، عندما يكون البحر دافئاً عادة في غرب البحر الأبيض المتوسط والمنطقة الواقعة بين البحر الأيوني وساحل شمال إفريقيا. وتتشكل طبقة من الهواء البارد القادمة من الارتفاعات الأعلى مع تصاعد الهواء الدافئ من البحر، حيث يشكلان مركز الضغط المنخفض.

ظاهرة نادرة

تتشكل أعاصير البحر الأبيض المتوسط مرة أو مرتين سنوياً في المتوسط، وفقاً للإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي. وبينما تتحرك الأعاصير من الشرق إلى الغرب، تميل أعاصير البحر الأبيض المتوسط إلى الانتقال من الغرب إلى الشرق. وقبل أن يضرب إعصار دانيال ليبيا ضرب بلغاريا واليونان وتركيا الأسبوع الماضي.

وتسببت مثل هذه الأعاصير في ثلاث حوادث مميتة قبالة اليونان بين عامي 2016 و2018، بينما حددت خدمات الأرصاد الجوية الإسبانية في عام 2019 حادثة واحدة بين جزر البليار والساحل الجزائري. وضرب إعصار تصل سرعته إلى 120 كيلومتراً في الساعة، يُطلق عليه اسم إيانوس، اليونان في سبتمبر 2020، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص في مدينة كارديتسا، وتسبب في فيضانات وانهيارات أرضية وانقطاع التيار الكهربائي. كما ضرب إعصار آخر جزيرة صقلية الإيطالية في عام 2021.

 زيادة حدة الأعاصير

وفي عام 2020، قالت هيئة مراقبة الطقس الفرنسية، إنه كان من الصعب عمل إشارات مناخية لأعاصير البحر الأبيض المتوسط بسبب ندرتها. وفي حين أن العلماء قادرون بشكل متزايد على فهم التأثير المحتمل لتغير المناخ بشأن احتمال حدوث حدث مناخي متطرف وشدته، لم تتم إجراء أي دراسة كهذه على دانيال حتى الآن. وبشكل عام، يقول الخبراء إن ارتفاع درجات حرارة سطح البحر، الناجم عن تغير المناخ الناجم عن النشاط البشري، سيؤدي إلى زيادة شدة العواصف المماثلة.

ويقول العلماء إن المحيطات امتصت 90% من الحرارة الزائدة الناتجة عن النشاط البشري منذ فجر العصر الصناعي. ويقول باحثون إسبان إن البحر الأبيض المتوسط وصل إلى أعلى درجة حرارة مسجلة في يوليو، حيث تعرضت أوروبا لسلسلة من موجات الحر.

أصبحت المياه السطحية في شرق البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي أكثر دفئاً بمقدار درجتين إلى ثلاث درجات مئوية من المعتاد، وهو ما حفز دانيال وزاد من قوته. ويقول عالم المناخ كارستن هاوستين من جامعة لايبزيغ في ألمانيا: «حقيقة أن دانيال تحول إلى إعصار قاتل على الأرجح بسبب ارتفاع درجات حرارة سطح البحر جراء التغير المناخي الذي هو في الأصل بسبب تدخل الإنسان».

• يقول العلماء إن المحيطات امتصت 90% من الحرارة الزائدة الناتجة عن النشاط البشري منذ فجر العصر الصناعي. ويقول باحثون إسبان إن البحر الأبيض المتوسط وصل إلى أعلى درجة حرارة مسجلة في يوليو، حيث تعرضت أوروبا لسلسلة من موجات الحر.

• في عام 2020 قالت هيئة مراقبة الطقس الفرنسية إنه كان من الصعب عمل إشارات مناخية لأعاصير البحر الأبيض المتوسط بسبب ندرتها. وفي حين أن العلماء قادرون بشكل متزايد على فهم التأثير المحتمل لتغير المناخ بشأن احتمال حدوث حدث مناخي متطرف وشدته، لم يتم إجراء أي دراسة كهذه على «دانيال» حتى الآن.

Google Newsstand

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى