اخبار الإمارات

الدرس المستفاد من الدراما المصرفية في أوروبا

ت + ت الحجم الطبيعي

تصادف نهاية هذا الأسبوع الذكرى السنوية الأولى للحظة الأكثر رعباً في القطاع المصرفي الأوروبي خلال العقد الماضي

لقد كان وقت اختبار.. كانت البنوك الإقليمية الأمريكية التي صراحة لم يسمع بها معظم الأوروبيين من قبل، إلا أنها كانت بحجم بنوك وطنية عديدة رائدة في أوروبا، في طريقها إلى الزوال، حيث أدى الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة إلى خسائر فادحة.

وفجأة، انتشر الألم إلى أوروبا. بنك «كريدي سويس»، الذي تعثر لفترة طويلة بسبب قائمة فضائح كثيرة تراوح بين التجسس على كبار المديرين التنفيذيين، إلى عصابات تهريب الكوكايين البلغارية، تم اقتياده إلى حفل زفاف مع منافسه اللدود بنك «يو بي إس»، خلال عطلة نهاية أسبوع متوترة.

وبعد مرور عام، ما زال المصرفيون والمستثمرون مندهشين من استمرار الأرض، رغم كل هذه الدراما، في الدوران حول محورها. كانت هذه اللحظة بعيدة كل البعد عن لحظة «ليمان براذرز»، فقد انفجر عملاق مصرفي، وابتلعته البنوك بالكامل على الطريق، وعاشت الأسواق الأوروبية لتستمر في القتال. كان المزاج هو «ماذا قد حدث للتو؟»، أكثر منه «لنركض نحو التل».

لكن وبعد انتهاء عطلة نهاية الأسبوع مع بنك «كريدي سويس»، جاءت محطة أخرى عالية الخطورة. كان ذلك يوم الجمعة التالي 24 مارس. وتضمنت هجوم السوق على «دويتشه بنك». وبينما نتذكر جميعاً دراما «كريدي سويس» عالية المخاطر، يجب علينا أن نتعلم الدروس من هذه الدراما المنفصلة عنها.

كان أصل المشكلة، كما هو الحال في كثير من أمور الحياة، هو «تويتر»، وهو الاسم الذي كان يعرف به موقع التواصل الاجتماعي «X» في ذلك الوقت. هناك، بدأ رسم بياني مشؤوم في الظهور، يظهر أن تكلفة شراء التأمين ضد تخلف البنك الألماني عن سداد الديون قد ارتفعت بشكل صاروخي.

وتاهت بعض النقاط الدقيقة عن سوق مقايضات العجز الائتماني إلى حد ما من جمهور وسائل التواصل الاجتماعي. قليلون من توقفوا للحظات ليدركوا أن الأمر غالباً ما يكون صعباً وسائلاً بما يكفي كي يشتري شخص عقداً واحداً فيولد ارتفاعاً كبيراً في السعر، بدون أن يمتلك بالضرورة السند الأساسي الذي يغطيه عقد الحماية. وتم حظر ما يسمى بتداول عقود مبادلة مخاطر الائتمان «العارية» لهذا السبب بالتحديد، فيما يتعلق بالسندات الحكومية الأوروبية، خلال أزمة ديون منطقة اليورو.

وفجأة، بدأت اللعبة، وهي مطاردة الحلقة الأضعف في القطاع المصرفي الأوروبي. ويبدو أن «دويتشه بنك»، الذي حصل على نصيبه العادل من النقاط المتذبذبة على مر السنين، هو الحلقة الأضعف. وبدأ سعر سهمه في الانخفاض، حيث انخفض بنسبة 14 في المئة خلال اليوم عند أسوء نقطة خلال اليوم.

ومن المهم أن نتذكر هنا أنه لم يحدث أي خطأ جديد في البنك في هذه المرحلة، باستثناء مخطط مقايضات العجز الائتماني غير المستقر إلى حد ما، ولكن في أسبوع محموم، لم يستغرق الأمر سوى القليل جداً حتى تتسارع المضاربات عبر الإنترنت.

وإذا نظرنا إلى الوراء، فإن كل هذا يبدو سخيفاً. يبلغ سعر سهم دويتشه بنك الآن نحو 70 في المئة فوق أدنى مستوى له في ذلك اليوم، لكن مطحنة الشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي قوية. أحد الأشياء «العديدة» التي زادت الضغط على بنك «كريدي سويس» في الأشهر التي سبقت سقوطه كانت تغريدة مثيرة للقلق دفعت عدداً كبيراً من العملاء إلى سحب أموالهم من البنك.

وكما قال لي أحد المصرفيين مؤخراً، فإن السبب الذي جعل هذا الأمر مؤلماً للغاية بالنسبة لـ«دويتشه بنك»، ومرعباً بالنسبة للآخرين، هو أن جنازة بنك «كريدي سويس» كانت معدة مسبقاً. لقد تعاملت الهيئات التنظيمية بشكل جيد للغاية مع هذه الأمور منذ عام 2008، كما أظهر تعامل السلطات الأمريكية مع الموت المفاجئ لبنك وادي السليكون وغيره من البنوك في وقت سابق من هذا الشهر.

وفي هذه الحالة، كان لدى السلطات السويسرية خطة، وقد نفذتها، وحشية، لكنها سريعة، وحاسمة، وذات مخاطر محدودة. لكن لا توجد مثل هذه الخطة بالنسبة لـ«دويتشه بنك»، الذي يعتبر أكبر من أن تتمكن معظم البنوك الأخرى من ابتلاعه على عجل.

وشعرت أسهم البنوك الأخرى في أوروبا والولايات المتحدة بالفزع. وكان المصرفيون داخل دويتشه بنك، ولأسباب وجيهة، يشعرون بالقلق والصدمة حقاً بسبب سرعة انخفاض الأسهم. لقد واجه البنك معضلة، هل ينبغي أن يقف الرئيس التنفيذي أو غيره من كبار الموظفين أمام المنصة ليقول إن كل شيء على ما يرام؟ أم أن ذلك سيجعل كل شيء أسوأ؟

وكان البعض يشعرون بالتوتر بشكل مضاعف عندما تناول المستشار الألماني أولاف شولتز هذه القضية في ذلك اليوم. ورداً على سؤال عما إذا كان «دويتشه بنك» هو بنك «كريدي سويس» الجديد، قال للصحافيين: «لا يوجد سبب للقلق بشأن ذلك».

أغلقت أسهم البنك على انخفاض بنسبة 8 في المئة خلال اليوم، بعد ارتفاع من الحضيض، وهو ما يشير إلى أن الحمى ارتفعت بسرعة كبيرة، وأن شولتز ربما يكون قد ساعد.

لكن يتعين على كبار المصرفيين أن ينتبهوا للرسالة من حلقة الدراما المشحونة تلك: الهراء على الإنترنت مهم. لا ينبغي أن يكون كذلك، لكنه مهم. وبالمثل، يجب على المستثمرين أن يتذكروا أنه في بعض الأحيان يكون الأمر مجرد هراء.

من المستحيل أن نقول بأي قدر من اليقين ما الذي كان سيحدث لو أن دويتشه بنك أخرج كبار مسؤوليه ليقول للعالم إن كل شيء على ما يرام، ولا شيء يستحق المشاهدة هنا، ولكن من المنطقي أن نتخيل أن زلة واحدة كان من الممكن أن تجعل من يوم سيئ للغاية بالنسبة لأسهم البنك يوماً أسوأ بكثير. ويحسب للبنك أنه تمالك أعصابه وحافظ على صمته الوقور، ما حال دون أن يكون يوم الاثنين التالي قاتماً. في المرة المقبلة التي يتعرض فيها أحد البنوك للانزلاق، وسيحدث ذلك في وقت ما، يجب أن نتذكر ما حدث في ذلك اليوم من صواب وخطأ.


تابعوا البيان الاقتصادي عبر غوغل نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى