اخبار

سيناريو ما بعد الحرب..طلال عوكل

ما يقرب من ستين يوماً منذ اندلاع هذه الحرب المجنونة ولا تزال إسرائيل تتحدث عن أهداف بدّدتها مجريات الحرب.
مهلة إضافية حصلت عليها إسرائيل لا تتجاوز أسابيع، لإنجاز أهداف باتت أقرب إلى المستحيل.
مرّة أخرى يتأكد أنّ قيادة الحرب أميركية بامتياز، وأن مجلس الحرب في إسرائيل ليس سوى أداة تنفيذ، ذلك أنّ الأهداف الأساسية التي تمّ الإعلان عنها في بداية الحرب، كانت أميركية بامتياز وبوضوح شديد.
ما يؤكّد ذلك، ليس فقط إعلان الإدارة الأميركية في اليوم الأوّل للحرب، انضمامها وانخراطها في الحرب، حين أرسلت حاملة الطائرات «آيزنهاور» إلى المتوسط، وبذلت جهوداً مستمرة، لمنع انخراط أطراف إقليمية فيها.
لم تكن إسرائيل ترغب في إدخال أيّ ليتر من الوقود إلى قطاع غزة لكنّها اضطرّت، لإدخال ستين ألف ليتر، بقرار أميركي، وبقرار أميركي، أيضاً، وافقت إسرائيل على اتفاقات التهدئة، وعلى إدخال مواد تموينية إلى غزة وشمالها.
من يُدير الحرب في إسرائيل، لم يُبدِ أيّ اهتمامٍ بالأسرى من المدنيين، ولا حتى من العسكريين قيد الأسر لدى المقاومة، ولأنّهم يعرفون أنّهم منتحرون بعد توقف الحرب، فإنهم يجدون في استمرارها فرصة، ربّما لاصطياد بعض قادة المقاومة، علّها تساعدهم على إيجاد مخارج من مصيرهم المحتوم.
قادة الحرب في إسرائيل يحاولون استغلال كلّ دقيقة لإيقاع أكبر قدرٍ ممكن من الضحايا الفلسطينيين وتدمير أكبر قدرٍ من البيوت السكنية، وإيقاع كلّ أذى ممكن بالمدنيين ذلك أنّهم يدركون أن قرار وقف الحرب ليس بيدهم وإنّما بيد الإدارة الأميركية.
مدّدت الإدارة الأميركية التصريح بالإبادة الجماعية، مع جملةٍ من التوجيهات الكاذبة، التي تكشفها سلوكيات القوات الإسرائيلية، التي لم تغيّر طريقة عملها وأهدافها الميدانية التي درجت عليها منذ بداية الحرب الإجرامية.
لدى الإدارة الأميركية تصوّرات وسيناريوهات، غير واقعية بشأن اليوم التالي لوقف الحرب، ولذلك فإنّها تسمح لإسرائيل بمواصلة الحرب للضغط من أجل تحقيق أفضل الشروط للشركاء الأميركيين والإسرائيليين.
في الأثناء تبدي المقاومة ميدانياً استعداداً للصمود والقتال وإيقاع خسائر هائلة بجنود الغزو ودبّاباته وآلياته، ما يُرغِم الاحتلال على الاعتراف بأنّ «حماس» لم تبدِ أيّ إشارة إلى الضعف.
للقادة العسكريين الذين يُديرون الحرب، أن يُصدِروا ما شاؤوا من الحماس الكاذب والتعهُّدات، بتحقيق النصر، والإفراج بالقوّة عن أسراهم، لكنّ الميدان يُكذّب ادّعاءاتهم، ويُكذّبها ذوو الأسرى الذين يتظاهرون، بعشرات الآلاف، للضغط على تجّار الحرب من أجل التفاوض للإفراج عن أسراهم.
على هؤلاء في أميركا وإسرائيل أن يستمعوا لنصيحة حليفهم الفرنسي مانويل ماكرون، الذي زار قطر للبحث عن إمكانية وقف الحرب وإبرام صفقات تؤدّي إلى الإفراج عن الأسرى من الطرفين.
يقول ماكرون، إن القضاء على «حماس» قد يستغرق عشر سنوات، أو أكثر، ويُكرّر ما صرّح به وزير الخارجية الأميركية توني بلينكن من أنّ أمن إسرائيل مرتبط بـ»حلّ الدولتين».
ماكرون الذي أعلن هو الآخر انضمام بلاده للحلف الأميركي الإسرائيلي اكتشف بعد مرور ما يقرب من ستين يوماً، أنّ هذا الحلف لم يحقّق ومن غير المحتمل أن يحقّق أهدافه، ولذلك وتحت ضغط الرأي العام، ومجريات الميدان، اضطرّ للتراجع، ولكن، أيضاً، من موقع الحريص على إسرائيل.
الفشل الإسرائيلي المتكرّر استخبارياً، وميدانياً، سيُرغِم أطراف الحلف الذي تجنّد خلف أو إلى جانب إسرائيل على تغيير مواقفهم، وأيضاً من موقع الحرص على بقاء دولة الاحتلال، واستمرار وظيفتها.
بدأ الفشل يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل ثمّ تكرّر، في مستشفى الرنتيسي، ثمّ في مستشفى الشفاء، والأندونيسي، حيث كذّبت الوقائع الادّعاءات الاستخبارية الإسرائيلية بوجود مراكز قيادة وأنفاق تستخدمها المقاومة ضمن حرم هذه المستشفيات.
واستمراراً للفشل، تتحدّث إسرائيل عن أنّ قيادة المقاومة وربّما الأسرى الإسرائيليين موجودون في خان يونس، ولكنّهم يستخدمون هذا الادعاء ذريعة لتوسيع نطاق حربهم على الحجر والبشر.
والفشل، أيضاً، بدأ حين استخدمت القوات الإسرائيلية كلّ إمكانياتها في القتل والتدمير، في مدينة غزّة وشمالها، لطرد السكان نحو الجنوب، ولكن بالرغم من نزوح مئات الآلاف إلّا أنّ ثمة مئات الآلاف لا يزالون في منازلهم.
لقد أدرك من تبقّى في غزّة وشمالها، كذبة «المناطق الآمنة»، فالقصف يشمل كلّ مكان في قطاع غزة، كما أنّ ما يسمونه «ممرّات آمنة» للخروج نحو الجنوب، يستخدمها الجيش الإسرائيلي مصائد لإذلال الناس، واعتقالهم والتنكيل بهم.
مع ذلك تكرّر القوات الغازية ذات الدروس الفاشلة، للتنغيص على حياة سكّان الوسط والجنوب من خلال مطالبتهم بالإخلاء دون أن يتيحوا لهم الفرصة في التحرّك.
يبدو لي أنّ المشهد الذي يتشكّل لتحقيق صور انتصار كاذب يستدعي من الجيش الإسرائيلي إخلاء المناطق الشرقية مقابل البريج والمغازي ودير البلح وخان يونس، ومن ثمّ رفح، لفرض «شريطٍ أمني» بعرض كيلومتر واحد، أكثر أو أقلّ قليلاً.
ستدّعي قيادة الحرب، أنّها من خلال فرض هذا «الشريط الأمني» ضمنت الأمن والاستقرار، للمستوطنين في «غلاف غزّة»، لكنّني أشكّ كثيراً في أن يؤدّي ذلك لعودة المستوطنين إلى «غلاف غزّة».
تنتهي المهلة التي أتاحتها الإدارة الأميركية لإسرائيل، ثم توظّف إسرائيل ما تعتبره إنجازاً في المفاوضات المقبلة التي تتصل أساساً بتبادل الأسرى، وحينها ستدّعي قيادة الحرب أنّها أنجزت المهمّة، التي باتت تحظى بأولوية.
اليوم التالي للحرب، سيشهد تغييراً جذرياً حيث أصبح موضوع «حلّ الدولتين» على الطاولة، بخلاف ما كان عليه الحال منذ توقيع «اتفاقية أوسلو».
يحتاج ذلك إلى تغييرات على طرفي الصراع، إذ ينبغي أن تتوفّر في إسرائيل قيادة جديدة، مستعدّة للتعاطي الجدّي مع مفاوضات بشأن «حلّ الدولتين»، بعد أن أصبح مؤكّداً أنّ هذا الحلّ هو الوحيد الذي يضمن لدولة الاحتلال الأمن، وعمراً أطول.
وعلى الجانب الفلسطيني، أيضاً، ينبغي أن تُجرى تغييرات، تضمن استيعاب «حماس»، في النظام السياسي الفلسطيني، والذي عليه أن يكون جاهزاً للتعاطي مع مفاوضات «حلّ الدولتين»، ليس هذا فقط وإنّما قد يستدعي ذلك دخول عناصر قيادية جديدة، إلى رموز النظام السياسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى