اخبار الإمارات

مأزق أم احتياج؟

ت + ت الحجم الطبيعي

هناك مأزق حقيقي يجد الكثير من الناس أنفسهم فيه، خاصة بعد الدخول في نقاشات وحوارات فكرية مع الأصدقاء، عبر مواقع التواصل أو في مجموعات القراءة الحرة التي تتنامى هذه الأيام لحاجة الناس لتبادل الأفكار، هذا المأزق يتصل بالأفكار التي كوّناها منذ الصغر أو تعمقت فينا خلال سنوات البناء الفكري الذي صنع الكثير من أفكارنا وقناعاتنا وما آمنا به عبر قراءاتنا وما ورثناه من أجيال عديدة سبقتنا وما تلقيناه عبر التعليم وعوامل التأثر والاختلاط.

ما يواجهه الكثيرون هو حالة الارتباك الذي ضرب هذا البناء الفكري لديهم، حيث بدأت الكثير من القناعات تواجه بتحليلات وقراءات مغايرة كلية لما اعتادوا عليها، ربما سمحت الثورة المعرفية بحدوث ذلك، وهي مرحلة طبيعية لا بدّ للقناعات أن تصل إليها بعد فترة من الثبات في النفوس، إن كان ذلك على مستوى الفرد أو على مستوى المجتمعات!

ألم تنتقل مجتمعات من قناعات وسلوكيات لطالما آمنت بها واعتبرتها ثوابت لديها إلى قناعات مغايرة تماماً لأن الظروف تغيرت ولأن المصالح تبدلت؟، ولذلك فالنظرة البراجماتية تحتم تبديل الدفة وتغيير ما كان مطلقاً.

إن هذا ما يحدث دائماً وفي كل مراحل التحولات والتبدلات، وتحديداً عندما يبدأ ضغط عوامل التأثر والتأثير وتقوى رياح الأفكار الجديدة التي تهب من كل الجهات، وعندما تسمح الحرية بتدوير وتغيير زوايا الرؤية، عندها تبدأ الجماعات بتداول أفكار وقناعات لم يكن مسموحاً بها فيما سبق، عندها يبدأ البناء الفكري الذي كان يبدو متماسكاً بمواجهة اختبار نظرية النسبية الفكرية التي تنظر للقناعات كلها بعيداً عن منطقة المطلق وقريباً جداً من مساحة النسبية، فلا شيء مطلق بل معظم الأمور نسبية، بحسب المعارف المتوفرة والحرية المتاحة والظروف والزمن الذي يتم خلاله بناء تلك الأفكار.

يقولون إنه لا فكرة مطلقة سوى فكرة الموت، فهو المطلق الوحيد الذي لا يجادل لأنه شأن إلهي «قل الروح من أمر ربي»، باستثناء ذلك فإن كل فكرة خاضعة للنقاش، الحياة نفسها قابلة للنقاش، العقاب، العدل، المساواة، الشر، الخير، الوفاء، الصداقة.. إلخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى