اخبار الإمارات

واشنطن وموسكو في لعبة صراع وهمي فوق سماء سورية

دانييل لاريسون

واصل التوتر الروسي الأميركي تصاعده الأسبوع الماضي، عندما تعرضت طائرتا درون أميركيتان لأضرار، نتيجة شعلات نارية أطلقتها طائرات روسية فوق سورية.

وأدى الحادث الأول، الذي وقع يوم الإثنين قبل الماضي، إلى تضرر مروحية دفع الدرون، ولكنه لم يؤدِ إلى تحطمها، ولكنه أعاد صدى حادث مماثل فوق البحر الأسود، عندما تحطمت درون أميركية في شهر مارس الماضي، بعد اصطدامها بطائرة روسية. ووقع بعده حادث آخر فوق شمال غرب سورية، وأدى إلى تضرر أحد أجنحة الدرون الأميركية.

ورفع هذا تعداد الحوادث التي وقعت بين الطائرات الأميركية والروسية في شهر يوليو الماضي إلى ستة، وتذكر هذه المواجهات بالمخاطر المحتملة الناجمة عن عمل القوات الروسية والأميركية قريباً من بعضهما في سورية، ما يطرح التساؤل الذي مفاده: لماذا لاتزال القوات الأميركية تقوم بعمليات في دولة لا تملك فيها تفويضاً قانونياً؟

وتعمل القوات الروسية والأميركية في سورية وسمائها منذ عام 2015. وخلال تلك الفترة كان البلدان متمسكين بقواعد عدم التصادم المصممة لتجنب وقوع حوادث بين الطرفين، وتشير الحوادث الأخيرة إضافة إلى حوادث أخرى وقعت بداية العام الجاري، إلى أن هذه القواعد بدأت بالانهيار بالنظر إلى تفاقم العلاقات بين روسيا وأميركا في كل مكان نتيجة حرب أوكرانيا.

انتهاك قواعد عدم التصادم

ويقول الجيش الروسي إن طائرات الولايات المتحدة كررت انتهاكاتها قواعد عدم التصادم، وإن هذه الحوادث وقعت نتيجة خطأ الأميركيين. ومن المحتمل أن تظل هذه الحوادث معزولة، أو أنها يمكن أن تكون بداية عداوة متصاعدة وحتى صراع مباشر.

وتركز معظم وسائل الإعلام التي تغطي هذه الحوادث على كيفية أن تقوم الولايات المتحدة بالرد، ولكن هذا يتجاهل السؤال المهم الذي مفاده: لماذا لاتزال الطائرات الأميركية تطير في سماء سورية بعد سنوات من القضاء على تنظيم «داعش» الإرهابي؟ ويتمثل التبرير الرسمي الأميركي في أن الولايات المتحدة تقدم المساعدة من أجل استهداف بقايا أفراد «داعش»، ولكن هذا الهدف المتمثل في استهداف بقايا «داعش»، جعل الجيش الأميركي في مهمة مفتوحة غير محددة الزمن.

وفي الحقيقة، فإن الولايات المتحدة لن تستفيد كثيراً من بقاء عملياتها العسكرية في سورية، كما أن التصعيد مع روسيا يشكل خطراً كبيراً، ولا يستحق بقاء القوات الأميركية في سورية كل هذه المخاطر، وسيكون المنطق السليم أن تسحب واشنطن قواتها من سورية، ولكننا نعرف أنه ستكون هناك مقاومة شرسة في واشنطن لمغادرة سورية عندما يتعرض بقاء الولايات المتحدة هناك لتحديات مباشرة.

مخاطر التصعيد وصعوبات الانسحاب

وسيكون من الحكمة الانسحاب من سورية قبل وقوع حوادث قد تؤدي إلى خسارة أرواح، لأنه في هذه الحالة ستزداد مخاطر التصعيد، وستزداد صعوبة الانسحاب إذا حدث ذلك. وثمة عدد قليل قتل أو أصيب بجروح من القوات الأميركية نتيجة المواجهات الماضية، ولكن ليس هناك أي سبب يدعو الولايات المتحدة لتجريب حظها في مجال خسارة الأرواح. وليس هناك أحد نتوقع منه أن يعرض حياته للخطر من أجل مهمة غير واضحة المعالم ولا يحمل تفويضاً مناسباً في مكان لا تملك فيه الولايات المتحدة أي مصالح تذكر.

وهناك فكرة في واشنطن تقول إن الولايات المتحدة يجب ألّا تسحب قواتها من أي دولة أخرى، حتى وإن كان استمرار وجودها لا يخدم المصالح الأميركية، ويبدو أن المخاوف لدى واشنطن من انسحاب قواتها من سورية قد تخلق «منطقة فراغ» قد تشغلها قوات معادية لواشنطن، تشغل واشنطن وتجعلها واقعة في فخ الحفاظ على قواتها التي لا تقدم أي فوائد أمنية تذكر، هذا إذا كان هناك أي فوائد موجودة أصلاً. وعندما يقبل صانعو السياسة هذه الفكرة، فإنها تمنع الولايات المتحدة من تقليص عمليات نشر القوات وتضع القوات الأميركية في أماكن خطرة، لا توجد أسباب وجيهة لوجودها فيها.

الخوف غير المبرر

وأوضح ذلك بن فرديمان، من مؤسسة ديفنس برايوريتي للسياسة الخارجية في واشنطن، حيث قال إن الخوف من ترك منطقة فراغ ليس صحيحاً، وأضاف: «الأماكن التي تذهب إليها القوات الأميركية هذه الأيام من أجل إرساء الاستقرار تميل لأن تكون غير مهمة على الصعيد الاستراتيجي، أي أنها ليست مناطق ذات أهمية لأي طرف كي يقوم بالسيطرة عليها. ولهذا فإن الجهود الأجنبية لاستغلال أي فراغ محتمل يتشكل نتيجة خروج الولايات المتحدة، لن يسبب الأذى للأمن الأميركي».

وليست هذه المنطقة بذات أهمية بالنسبة للأمن الأميركي، ولهذا تستطيع الولايات المتحدة الانسحاب من سورية ببساطة.

وبالنظر إلى المزاج المعادي لروسيا في واشنطن، فإن حوادث الدرون ربما ستجعل الإدارة تعيد التزامها بمهمة القوات الأميركية في سورية، وربما ترسل مزيداً من التعزيزات الإضافية، وبالتأكيد لا يتعين على الولايات المتحدة إرسال قوات إضافية إلى سورية، وإنما يجب عليها البحث عن طرق للانسحاب منها بسلام.

قواعد عدم التصادم

في غضون هذا، يتعين على الجيشين الروسي والأميركي العمل معاً لإعادة قواعد عدم التصادم التي كان معمول بها في السنوات الماضية، وعلى الرغم من أنه ستكون هناك مطالب في واشنطن لاتخاذ إجراءات عقابية ضد روسيا، لكن هذا يجب رفضه من أجل التهدئة. وإذا كان هناك متشددون من الطرف الروسي يأملون إثارة الولايات المتحدة كي تبالغ في ردة فعلها، فلا ينبغي منحهم ما يريدون، ويشترك كلا الطرفين في اللوم لوجودهما العسكري في سورية.

وكانت هناك محاولات من الكونغرس الأميركي للمطالبة بخروج القوات الأميركية، ولكنها لم تنجح حتى الآن، وأدخل عضو مجلس النواب جمال بومان، تعديلاً جديداً على قانون الدفاع الوطني، يحظر تمويل الوجود العسكري الأميركي في سورية بعد عام من وجود تفويض الكونغرس، وبغض النظر عما سيحدث مع تعديل بومان، إلا أنه بلاشك، فإن الوجود الأميركي في سورية غير قانوني، تماماً كما كان خلال السنوات التسع الماضية.

ويعتبر الوجود العسكري الأميركي في سورية فكرة متأخرة اليوم، ولكنها تعتبر من بقايا ميادين «الحرب على الإرهاب» التي لم تنته، ولاتزال القوات الأميركية معرضة لخطر الهجوم، على الرغم من افتقارها التفويض المناسب من الكونغرس أو التفويض الدولي لهذه المهمة، واستناداً إلى ذلك، يجب إلغاء هذه السياسة وإعادة القوات الأميركية إلى بلادها.

أستاذ جامعي وكاتب أميركي

• بالنظر إلى المزاج المعادي لروسيا في واشنطن، فإن حوادث «الدرون» ربما ستجعل الإدارة الأميركية تعيد التزامها بمهمة قواتها في سورية، وربما ترسل مزيداً من التعزيزات الإضافية.

• من الحكمة أن تنسحب القوات الأميركية من سورية قبل وقوع حوادث قد تؤدي إلى خسارة أرواح، لأنه في هذه الحالة ستزداد مخاطر التصعيد، وتزداد صعوبة الانسحاب، وليس هناك أي سبب يدعو الولايات المتحدة لتجريب حظها في مجال خسارة الأرواح.

• الولايات المتحدة لن تستفيد كثيراً من بقاء عملياتها العسكرية في سورية، كما أن التصعيد مع روسيا يشكل خطراً كبيراً. ولا يستحق بقاء القوات الأميركية في سورية كل هذه المخاطر، وسيكون المنطق السليم أن تسحب واشنطن قواتها من سورية.

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى