اخبار الإمارات

الاتحاد الأوروبي يخاطر بتفويت ركب إعادة برمجة «الجينوم» الزراعي

ت + ت الحجم الطبيعي

دغل الساحرة.. إنه نبات طفيلي أكثر إثارة للرعب من الترايفيدات الخيالية آكلة للحوم. يتغذى هذا النبات على الذرة البيضاء.

وهو محصول يستخدم في أنحاء أفريقيا في الغذاء والبناء وعمليات التصنيع، من خلال الالتصاق بجذورها، وامتصاص الماء والعناصر الغذائية منها.

ومن بين أنواع نبات دغل الساحرة، فصيلة تعرف باسم «ستريجا» تدمر غالبية الأراضي الزراعية في أنحاء القارة، ما يكلف الفلاحين حوالي 7 مليارات دولار خسائر في المحاصيل سنوياً. وتعتبر المحاصيل الاتقائية، التي تزرع لطرد الآفات، وكذا المبيدات الحشرية غير عملية أو غير فعالة نسبياً بالنسبة إلى صغار المزارعين.

حالياً، يستخدم الباحثون في كينيا أداة «كريسبر» لتحرير الجينات الرخيصة والمتاحة نسبياً، لإنتاج أصناف جديدة من الذرة البيضاء المقاومة للـ«ستريجا». وقد تم عرض بعض أعمالهم مطلع الشهر الجاري في المؤتمر العالمي لجينوم النباتات والحيوانات في سان دييغو.

وبينما تقف بعض الدول الغنية حائرة في كيفية التعامل مع هذه التطورات، يغتنم العلماء في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط الفرصة لمنح الزراعة إعادة برمجة جينومية مستهدفة.

وقال جوناثان نابير، عالم التكنولوجيا الحيوية في مؤسسة روثامستيد للبحوث الزراعية في المملكة المتحدة: «إنها شهادة عظيمة على عبقريتهم، مقترنة بتقبلهم للحاجة الملحة للتصرف، خصوصاً وأن هؤلاء المطورين الأوائل للتحرير الجيني ليسوا في الشمال (العالمي) الغني بالموارد». وفي عالم لا يمكن أبداً اعتبار الأمن الغذائي فيه أمراً مضموناً، نحتاج لانتشار مثل هذا الشعور بالإلحاح.

واستلهم مشروع الذرة البيضاء المعدلة جينياً من الطبيعة، وتحديداً من الأصناف البرية للمحصول الأساسي والذي يحمل طفرات جينية تمنحه مقاومة للـ«ستريجا».

ويستخدم ستيفن رونو، عالم الأحياء الجزيئية من جامعة كينياتا في نيروبي، تقنية كريسبر لتقليد هذه الطفرات المفيدة لإنتاج بذور مقاومة، ومن المقرر إجراء تجارب ميدانية هذا العام. يستخدم علماء في معاهد أخرى في نيروبي التقنية لتطوير الذرة المقاومة للأمراض والفستق المقاوم للفطريات.

وقد تحول هذه التكنولوجيا الزراعة في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط إلى ما هو أبعد من المستوى الجينومي، فكما صرح ستيفن رونو لمجلة نيتشر: يبدو أن المزارعين سعداء لحصولهم على البذور من باحثين إقليميين، بدلاً من الشركات متعددة الجنسية.

وقد يؤدي الانتشار العالمي لتكنولوجيا التحرير الجيني إلى تشتيت القوة التجارية المتركزة حالياً في مختبرات الشركات، ويطرح احتمال بيع المحاصيل المعدلة جينياً المزروعة في أفريقيا خارج القارة.

ورغم أن الكثير من عمل رونو تموله وكالات أمريكية، إلا أن كينيا استفادت من قرار الحكومة عام 2022، باعتبار المحاصيل المعدلة جينياً كالمحاصيل المستنبتة تقليدياً بدلاً من كونها كائنات معدلة وراثياً، وبالتالي تعفى من الخضوع للوائح أكثر صرامة.

وأدى التشابه بين تحرير الجينات والاستنبات التقليدي إلى ظهور مصطلح جديد «الكائنات المولدة عبر التكاثر الدقيق»؛ لأن تقنية كريسبر وغيرها من تقنيات التحرير الجيني بإمكانها خلق أصناف يمكن استيلادها عن طريق أجيال من التهجين. وتتبع نيجيريا ومالاوي سياسات مشابهة لسياسات كينيا.

كما أن الأرجنتين والبرازيل والصين والولايات المتحدة أيضاً من بين الدول التي تتبنى سياسة التساهل تجاه المحاصيل المعدلة وراثياً. وبعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.

فضلت المملكة المتحدة أيضاً اتباع اللوائح المخففة حيث أقر البرلمان، في العام الماضي، قانوناً يسمح بالتكاثر الدقيق (في إنجلترا فقط)، والأهم من ذلك، أنه يعفيها من القيود الصارمة لتراخيص واختبارات الاتحاد الأوروبي التي تنظم الكائنات المعدة وراثياً.

ويشمل هذا الإطار المرن النباتات والحيوانات (مع استثناء البشر)، المخلقة باستخدام التكنولوجيا الحيوية، والتي تحتوي على الجينومات التي تنشأ طبيعياً أو من التربية التقليدية. لذلك، لا ينطبق رفع القيود التنظيمية على الكائنات المعدلة وراثياً، التي تدمج جينات من أصناف غريبة وبلا شك تتطلب قدراً كبيراً من الفحص بعيد المدى.

يعترف وزراء الاتحاد الأوروبي بأن التعامل مع جميع التقنيات الجينية بالطريقة التقليدية نفسها قد أصبح نهجاً قديماً، وصوتوا الشهر الماضي لتغيير اللوائح، لكن الموافقة على «الكائنات المولدة عبر التكاثر الدقيق» تواجه معارضة جماعات الدفاع عن حقوق المستهلك والبيئة، فضلاً عن جماعات الضغط الخاصة بالأغذية العضوية.

وسيتطلب الأمر موافقة جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة على عملية إعادة ضبط شاملة تتضمن الأبحاث والتجارب الميدانية وبراءات الاختراع وتصنيف الأغذية.

وهذه ليست بالمهمة اليسيرة بالمرة. ويعتقد نابير أن المملكة المتحدة تمتلك الآن «فرصة العمر لبناء سلسلة قيمة جديدة كلياً تتمحور حول (الكائنات المولدة عبر التكاثر الدقيق) ولكن على الحكومة أن تكون أكثر جرأة… لاغتنام هذه الفرصة». ويبدو تنقيح وتوسيع نطاق هذه التكنولوجيا سياسة تأمين منطقية في ظل أوقات الاضطراب هذه.

يتحدث الاقتصاديون، حتى في أوروبا التي تتمتع بالوفرة الغذائية، عن تضخم الحرارة، شبح ارتفاع أسعار المواد الغذائية نتيجة لموجات الحر والجفاف التي تؤثر على الإمدادات وتزيد الإتلاف وتقلل القيمة الغذائية. إن الحد من إهدار الغذاء وتنويع المحاصيل يمكنهما المساعدة، لكن الوقت حان بالفعل لتشجيع ازدهار علم التكاثر الدقيق.


تابعوا البيان الاقتصادي عبر غوغل نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى