اخبار

أميركا ليست وسيطاً فلا تقابلوا مندوبيها..محمد ياغي

الرد الأفضل والأقوى على مواقف الولايات المتحدة الداعمة لإسرائيل سياسياً ومالياً وعسكرياً هو عدم الحديث أو الاجتماع بمندوبيها.
هؤلاء لم يأتوا مرة واحدة للمقاطعة في رام الله كممثلين لبلادهم، كانوا يأتون ولا زالوا كممثلين لدولة الاحتلال يحملون رأيها ومطالبها بعد أن يضعوا عليها الهوية الأميركية.
نحن نعرف ذلك منذ أول مفاوضات رعتها أميركا بين السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال.
كان ذلك في العام ١٩٩٧ عندما توسطت أميركا لاستكمال تنفيذ إعادة الانتشار الإسرائيلي الذي بدأ العام ١٩٩٥ بموجب اتفاقيات أوسلو ٢ ثم توقف عندما خسر شمعون بيريس أمام نتنياهو.
إدارة كلينتون أرسلت دنيس روس، مبعوثها «لعملية السلام»، والأخير اتفق مع نتنياهو، ثم جاء بعرض تقسيم الخليل الى إتش ١ وإتش ٢. حتى الشياطين لا تخطر ببالهم فكرة حرمان نصف أهالي مدينة الخليل من مدينتهم لحماية ٤٠٠ مستوطن كاوا في ذلك الوقت يقيمون في بلدة الخليل القديمة.
كل من حضر مفاوضات كامب ديفيد العام ٢٠٠٠ يعلم أن أميركا كانت تذهب «لمخدع» إيهود باراك تأخذ منه ما يعرضه ثم تأتي للوفد الفلسطيني لتقدمه على انه عرض أميركي لإنهاء الصراع. وعندما فشلت المفاوضات لم يخجل الرئيس كلينتون وقام بتحميل الرئيس عرفات مسؤولية الفشل، وعندما تم سؤاله عن السبب رغم وعده لعرفات ألا يُحمله المسؤولية وهو الذي رفض الذهاب لكامب ديفيد قبل الاعداد الجيد للمفاوضات، قال كلينتون إنه اضطر لفعل ذلك دعماً لإيهود باراك الذي كان يعاني من مشاكل داخل ائتلافه الحاكم.
عندما قالت إسرائيل إن الرئيس عرفات ليس شريكاً «لسلامها»، قام الرئيس الأميركي «بوش الابن» بمطالبة الرئيس عرفات بالرحيل. وعندما قرر شارون الانسحاب من جانب واحد من غزة تحت ضربات المقاومة، تبنت أميركا الموقف الإسرائيلي وسوقته على أنه خطوة عظيمة ومتقدمة باتجاه السلام.
ورغم أن شارون رفض تنسيق خطواته مع السلطة الفلسطينية، إلا أن أميركا تولت مسؤولية «إجبار» السلطة على استلام المعابر في غزة دون أن يكون لها صلاحيات فعلية عليها. وكانت السلطة وما زالت تقوم باستلام أسماء من يرغبون بالسفر خارج قطاع غزة من الفلسطينيين عبر مصر أو الى مصر وترسلها لإسرائيل، والأخيرة تقرر من يسافر ومن لا يسافر.
اليوم عندما يشتكي الفلسطينيون في غزة بأن آلاف الجرحى منهم يموتون رغم وجود المستشفيات على الجانب الآخر من معبر رفح (مستشفيات من عدد من الدول العربية والغربية) يتساءل البعض لماذا؟
والجواب بسيط، لأن الأسماء التي تصل مصر يتم تحويلها للسفارة المصرية في رام الله، والأخيرة تحولها للسلطة، وهي بدورها تحولها لإسرائيل، ودولة الاحتلال التي تقتل وتدمر في غزة هي من يقرر أيضاً من يموت ومن يعيش من الجرحى، وكل ذلك بفضل أميركا التي رتبت لإسرائيل إدارة معبر رفح كما تريد هي.
بالطبع كلمة «إجبار» يجب أن تُفهم مجازياً، لأن لكل سلطة مهما كانت بعضاً من الإرادة، ويمكنها أن تقبل أو أن ترفض، وعليها في كلا الحالتين تحمّل نتائج قرارها، والمصلحة في ذلك الوقت كانت تتطلب الرفض، لكن الموافقة حصلت.
وبينما رفضت إسرائيل تنفيذ خارطة الطريق وتحديداً الشق المتعلق «بعدم اتخاذ إجراءات أحادية الجانب تؤثر على عملية السلام» والمقصود بها وقف الاستيطان، أصرت أميركا أن تنفذ السلطة التزاماتها في الخارطة والجزء المتعلق بالتنسيق الأمني مع إسرائيل، وهو كل ما أرادته إسرائيل وأميركا من خارطة الطريق.
وعندما أسقط نتنياهو كل «عملية السلام» بعد سقوط حكومة ايهود أولمرت العام ٢٠٠٨، أسقطت أيضاً أميركا من أجندتها «عملية السلام». وعندما أصبحت إيران الشغل الشاغل لإسرائيل، أصبحت إيران محور اهتمام السياسة الأميركية.
وعندما أعلن نتنياهو أن السلام مع العرب ممكن وممكن جداً بدون الفلسطينيين وبدون الحديث عن قضيتهم، تجندت أميركا لتحقيق الرغبة الإسرائيلية، ودفعت الثمن لكل من يريد التطبيع مع إسرائيل شريطة أن لا يربط ذلك بحل القضية الفلسطينية.
اليوم يتم إبادة غزة بالسلاح الأميركي وبتغطية سياسية وبحماية عسكرية وبمعلومات استخبارية من أميركا. واليوم يكذب بايدن وأركان إدارته وبلا خجل في كل ما حدث يوم ٧ أكتوبر من «قطع» الرؤوس إلى «اغتصاب» النساء. ثم يخرج علينا بتصريح هزيل يقول فيه «إن إسرائيل تخسر أمام الرأي العام العالمي» وإن «حكومة هي الأكثر تطرفاً في تاريخها تقودها» ويلحق بالقول «إن بإمكان إسرائيل الاعتماد علينا وعلى الغرب».
ثم يقوم البعض «منا» بالتنظير: أن أميركا «ضاقت ذرعاً» بإسرائيل وأنها أعطت إسرائيل «مهلة» لتنجز المهمة – المقصود مهمة حرق ما تبقى من غزة وإبادة مواطنيها قبل ان ترفع الكارت الأحمر لها. وتتوقف حرب الإبادة.
اسمحوا لي أن أقول إن هذا إما أن يكون جهلاً بحقيقة السياسة الأميركية أو أنه مجرد أمنيات لوقف الحرب.
هذه إدارة رئيسها يقول بأنه لا حاجة له ليكون يهودياً حتى يكون صهيونياً، وأن أميركا كان عليها أن تخلق إسرائيل إن لم توجد إسرائيل.
هذه إدارة جميع من يتحدث باسمها من وزير خارجيتها «بلينكن» الى الناطق باسم مجلسها للأمن القومي «كيربي» الى رئيس مجلسها للامن القومي «سوليفان» الى وزير دفاعها «أوستين» هم ناطقون رسميون باسم «جيش الاحتلال الإسرائيلي».
هؤلاء بلا قيم أخلاقية أو مبادئ إنسانية. هم يتحدون العالم أجمع برفضهم لوقف إطلاق النار، وهم مستمرون في خدمتهم لدولة الاحتلال وتشجيعهم لها وتقديم النصيحة لها، من أجل الاستمرار في المزيد من قتل الأطفال والنساء في غزة والضفة، وهم لن يتحركوا من أجل الفلسطينيين الى «أن تشبع إسرائيل من القتل» او أن «تُهزَم بالقتل» وفي النهاية هي، إسرائيل، من سيقرر الوقت لاستدعاء الشريك أو الوكيل الأميركي للقيام بمهمة «التنظيف» في مرحلة ما بعد المذبحة.
والشريك أو الوكيل الأميركي سيطلب من السلطة الفلسطينية والعرب والاوروبيين القيام بعملية «التنظيف» وليس ذلك فحسب، بل القيام «بالتنظيف» بالطريقة التي تريدها ووفقاً للشروط التي تضعها إسرائيل.
دولة الاحتلال هي من عليها أن يتحمل مسؤولية الجرائم التي ارتكبتها في غزة بما في ذلك إعادة إعمار غزة وتعويض أهلها.
والى أن تتوقف أميركا عن لعب دور الخادم الأمين لدولة الاحتلال «العظمى» إسرائيل، والى أن تتوقف عن لعب دور «المندوب» الذي أرسلته دولته، فإن السلطة الفلسطينية لا يجب أن تستقبل مندوبي أميركا في رام الله، ولا يجب أن تتحدث معهم، لا عن مستقبل غزة ولا عن مستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى