اخبار الإمارات

هل الحديث حول المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة ضجة عابرة؟

ت + ت الحجم الطبيعي

على مدار السنوات الأخيرة، استحوذت المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة على اهتمام واسع من الشركات والمستهلكين والمستثمرين. وكان ارتفاع عدد الصناديق التي تكثف الرقابة على الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة للشركات الموجودة في محافظها الاستثمارية سبباً للاحتفال من جانب البعض، وللسخرية من جانب البعض الآخر، خاصة المشرعين الجمهوريين في الولايات المتحدة.

لكن أخبار الأسبوع الماضي تشير إلى أن التدفقات الخارجة من صناديق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة أصبحت اتجاهاً ثابتاً، مع سحب 40 مليار دولار حتى الآن هذا العام، ما أثار انقساماً بالمثل في الآراء السياسية.

إن معظم اتجاهات السوق الرائجة، سواء كانت طفرة الأسهم اليابانية في الثمانينيات، أو طفرة الـ«دوت كوم» في أواخر التسعينيات، أو ربما قريباً الطفرة في أسهم الذكاء الاصطناعي، تصل في النهاية إلى نقطة لا تستطيع فيها أساسيات السوق تبرير التقييمات المرتفعة. ويؤدي ذلك إما إلى تعديل تدريجي أو انهيار كارثي في الحالات الخطيرة. ويمكن لذلك قول الشيء نفسه عن اتجاهات إدارة الأصول، فعندما يكون أداء الأدوات الاستثمارية أقل من السوق، لا يمكن للضجة وحدها الحفاظ على اهتمام المستثمرين.

وترجع التدفقات النقدية الخارجة من الاستثمارات في المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة جزئياً إلى الأداء، فقد كان أداء العديد من الصناديق التي تركز على هذا المجال أقل من المتوقع خلال عامي 2022 و2023. وكانت هناك محاولات من جانب مديري الصناديق لتنفيذ حلول ذكية، لكن لم يستطع كثيرون التغلب على ارتفاع أسعار النفط نتيجة الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

علاوة على ذلك، فقد تلاشى بريق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة بسبب التسييس، وخاصة في ظل التناقضات التي برزت في هذا المجال، ففي البداية كان يتم استبعاد أسهم شركات الدفاع من غالبية الصناديق، إلا أن مديري الصناديق أدرجوها لاحقاً؛ بسبب دعم أوكرانيا، وهو تحول فتح باب السخرية على المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة من اليمين وباب النقد من اليسار. ودفعت الانتقادات المستمرة من المشرعين الجمهوريين العديد من الشركات الأمريكية إلى تغيير لهجتها حيال المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة والتزامات الحياد الكربوني، والمشاركة في «الصمت الأخضر».

يكمن جزء من المشكلة في أن هذه المعايير أصبحت عبارة عن مسخ فرانكنشتاين المليء بالعبارات الطنانة، كما تُبرز فهم المجتمع المشوش للنوايا الحسنة أكثر من التأثير الفعلي للصندوق أو الشركة. وغالباً ما تكون المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة غامضة، ما يمكّن مديري الصناديق من «الغسل الأخضر» لسجلاتهم لجذب المستثمرين. وفي الواقع، يشبه هيكل العديد من الصناديق المؤشرات النموذجية إلى حد كبير، لكن مع استبعاد النفط.

وقد يشعر المنتقدون بخيبة أمل لأن استمرار خروج التدفقات لا يعني نهاية المعايير البيئية والاجتماعية والحكومة كمفهوم، رغم أنها قد تشير إلى تراجعها كأداة تسويقية. ولا يزال المستثمرون مهتمين بالاستدامة، خاصة في أوروبا والمملكة المتحدة، حيث كانت السوق بمعزل عن أسوأ الحروب الثقافية الأمريكية. وقد ساعد تعزيز فعالية التنظيم في الحد من «الغسل الأخضر»، كما تحسن أداء مديري الصناديق مع تأسيس صناديق تتسم بقدر أقل من التناقضات. علاوة على ذلك، فإن التدفقات الخارجة البالغة 40 مليار دولار تعد صغيرة نسبياً مقارنة بنحو 7 تريليونات دولار من أصول المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة الخاضعة للإدارة. وهكذا، من الواضح أن المبادئ التي تستند إليها طفرة المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة باتت راسخة الجذور.

وينظر المديرون التنفيذيون إلى تحقيق الصافي الصفري للانبعاثات باعتباره تجارة جيدة، ويعد التخفيف من حدة مشاكل الحوكمة ضرورياً لإدارة المخاطر. إضافة إلى ذلك، أصبحت الاستثمارات الخضراء مربحة على نحو متزايد؛ بفضل السياسات المتقنة الصياغة إلى حد كبير، مثل قانون خفض التضخم الذي أقره الرئيس الأمريكي جو بايدن.

ويبرز الدور الذي لعبه قانون خفض التضخم في تحفيز الاستثمارات الخضراء أهمية السياسة في خلق الحوافز المواتية. وفي حين أن السوق له دور في توجيه التدفقات المالية، فمن المؤسف أن المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة أصبحت متورطة في الحروب الثقافية الأمريكية، والأسواق لا يسعها فعل المزيد. وفي الولايات المتحدة على وجه الخصوص، سيكون للقرارات السياسية ونتائج انتخابات نوفمبر التأثير الأكبر في مستقبل التحول الأخضر.

تابعوا البيان الاقتصادي عبر غوغل نيوز
تابعوا البيان الاقتصادي عبر غوغل نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى