اخبار

كي لا تذهب التضحيات سدى !

تخاذل النظام الدولي في إيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي على قاعدة الحقوق المشروعة المعرفة من الأمم المتحدة على مدى 75 عاماً، وتحديداً بعد 57 عاماً من حرب 67.
التخاذل كان حتى العام 2000 منسجماً مع الرؤية الإسرائيلية المشبعة بأطماع استعمارية توسعية، وبعدئذ صار منسجماً مع الحل الفاشي الذي قدمه اليمين القومي الديني والذي يتم بمقتضاه تصفية القضية الفلسطينية.
في تلك الأثناء لوحظ أنه مع كل صعود أو حضور سياسي وجماهيري فلسطيني واقعي يتوافق مع الرؤية الدولية للحل كان يصار إلى إحباطه أو احتوائه.
على سبيل المثال قدمت انتفاضة 1987 – 1994 نموذجاً لجاهزية الشعب الفلسطيني أو أكثريته المطلقة للحل السياسي، وثيقة إعلان الاستقلال العام 1988 التي تبناها المجلس الوطني بإجماع ينقصه حوالى 20 صوتاً متحفظاً – الصاعقة والقيادة العامة-.
وانتخبت أكثرية 87 % من المواطنين في الضفة والقدس والقطاع عرفات والمجلس التشريعي الأول العام 1996 على أساس اتفاق أوسلو اعتقاداً منهم أن هذا الاتفاق يعبر عن مرحلة انتقالية سقفها 5 سنوات، ستقود إلى إقامة دولة مستقلة.
توزع الإسرائيليون على معسكرين، معسكر حزب العمل وميرتس الذي سعى إلى حل يجمع بين التخلص من العبء السكاني الفلسطيني مع الحفاظ على مضمون الاحتلال – الهيمنة وإخضاع الطرف الفلسطيني لعلاقات تبعية مع قبول كيان فلسطيني قد يتطور إلى دولة.  ومعسكر اليمين القومي الديني بقيادة نتنياهو الذي يرفض أي حقوق وأي حلول تسمح بوجود كيان فلسطيني.
بعد العام 2000 وانتفاضة الأقصى توحد المعسكران على رؤية معسكر اليمين وخاضا حرب اجتياح مدن الضفة.
أثناء ذلك توحد الفلسطينيون سلطة ومنظمة ومعارضة ومجتمع في مواجهة “خداع السلام” الذي رعته الإدارات الأميركية المتعاقبة، ولم يميز الاتحاد الأوروبي نفسه بتجاوز السياسة الأميركية.
حقيقة الأمر أن الولايات المتحدة التي تربعت على عرش زعامة العالم كقطب وحيد، استخدمت مؤتمر مدريد للسلام لإعادة بناء سيطرتها على الشرق الأوسط، واستخدمت مشروع خارطة الطريق الذي يدعو إلى إقامة دولة فلسطينية، كغطاء لغزو العراق، وشيئاً فشيئا تبنت الإدارات الأميركية المتعاقبة رؤية اليمين الإسرائيلي القائلة إن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي غير قابل للحل، ووفرت الغطاء لتقويض مقومات الحل على الأرض عبر الاستيطان والتطهير العرقي ونهب الموارد والضم والتهويد والحصار والإذلال، ولم تغير اعتراضاتها اللفظية حقيقة دعمها استفراد اليمين القومي الديني الإسرائيلي بالوضع الفلسطيني.
السياسة الإسرائيلية وتطبيقاتها على الأرض والغطاء الأميركي لها، أقنعت السواد الأعظم الفلسطيني أن كل حديث عن حل سياسي وتفاوض وسلام هو محض كذب وخداع. وأصبح الرأي العام مهيئاً لقبول ودعم أي خيار آخر.
فجاء البديل الذي قدمته حماس وهو المقاومة، مكتفية بالشق السلبي وهو فشل الحل ومستفيدة من اهتزاز الثقة بالسلطة وحركة فتح ونجحت في السيطرة المعنوية السياسية على مساحة كبيرة من الحيز الذي كانت تشغله السلطة وحركة فتح.
بسبب العجز السياسي واستمرار ترديد الشعارات السابقة التي لم تعد تقنع أحداً.  
وثانياً بسبب تقديم نموذج فاشل للحكم وللدولة المستقبلية المعزز بالفساد الإداري والمالي وأحياناً بقمع الحريات.
لكن حركة حماس لم تقدم رؤية سياسية بديلة، واكتفت برفع شعار المقاومة الذي له فعل السحر عند الأجيال الجديدة. ونجحت في تعبئة أجيال شابة على خيار المقاومة، وتجاهلت أن المقاومة وسيلة لتحقيق أهداف وطنية.
في هذا الخضم تعاملت حماس بازدواجية سياسية، قدمت وثيقة سياسية العام 2017  بمضمون برنامج المنظمة.
اعترفت بحدود الرابع من حزيران للدولة الفلسطينية بدلاً من حدود فلسطين التاريخية، وإبرام هدنة طويلة الأمد. لكن الخطاب السياسي والإعلامي الموجه لمقاتليها وتنظيمها وجمهورها بقي على حاله.  
وكأن التعديل السياسي الجديد موجه للخارج فقط ويخضع إلى حاجتها لقبول دولي وإقليمي، ولتسهيل مهمة السيطرة على القرار والتمثيل الفلسطيني الذيم لا يزال في حوزة حركة فتح. نجحت حركة حماس والجهاد وتنظيمات أخرى في استقطاب ظاهرة الشبان المتمردين على الاحتلال والسلطة الفلسطينية، وصولاً إلى تنظيمهم في كتائب مسلحة شرعت في السيطرة على الحيز العام في المخيمات ومراكز مدن الشمال وبعض القرى.
كان الخطاب السياسي والإعلامي متناغماً مع خطاب محور المقاومة الممانعة المناهض للحل السياسي ومشروع الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة العام 1967.
تلتقي حركة حماس مع محور المقاومة الممانعة على سياسة مناهضة الحل السياسي وإفشاله، وتفترق عنه في حالة أن هذا الحل سيكون من خلالها وعبرها حصرياً.
الشيء نفسه ينطبق على موقفها من م.ت.ف فهي مع المنظمة كممثل شرعي وحيد إذا كانت في موقع السيطرة على قرارها أو في موقع المعطل لقراراتها.
جاءت عملية طوفان الأقصى لإنهاء الاحتلال الأخير ونظام الفصل العنصري الأخير في العالم كما ورد في بيان العملية الأول بتوقيع قائدها الأول محمد الضيف.
ويتابع: اليوم يستعيد شعبنا ثورته ويصحح مسيرته ويعود لمشروع التحرير والعودة وإقامة الدولة بالدم وبالشهادة. يفهم من البيان أن المقاومة أرادت إعادة الأمور إلى نصابها.
لكن حرب الإبادة والتدمير والفارق الهائل في القوى المحلي والإقليمي لا تسمح للمقاومة بفرض شروط إنهاء الحرب فما بالك بالانتصار، ومن الصعب الرهان على عنصر الزمن في الوقت الذي تمضي فيه آلة الحرب الفاشية في تدمير وتفكيك بنية المجتمع – رأسمال المقاومة -.
لقد حققت المقاومة إنجازا مهماً بثمن هائل الكلفة فإذا أردنا التدقيق في التفاعلات الدولية والإقليمية يجوز القول إنه تجري إعادة النظر في مسألة تجاهل حل الصراع الفلسطيني والتنكر للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وثمة مساعٍ أميركية أوروبية عربية لبلورة مشروع حل سياسي ما بعد الحرب عنوانه دولة فلسطينية منزوعة السلاح على أراضي العام 67.
قد تكون مناورة سرعان ما يتم التراجع عنها كما في مرات سابقة. وقد تعبر عن رؤية جديدة هدفها نزع فتيل الانفجارات في المنطقة التي بدأت تتفاعل عالمياً وتؤثر على الاستقطاب داخل كل بلد.
يحتمل أن دوائر صنع القرار لدول الهيمنة أصبح لها مصلحة في استقرار هذه المنطقة.
لكن معسكر اليمين الإسرائيلي داخل الائتلاف وخارجه يرفض هذا الحل، ويعمل على إفشاله من خلال استمرار حرب الإبادة والتدمير.
يلاحظ أن معسكر اليمين القومي الديني وحله الفاشي للقضية الفلسطينية بات على اختلاف مع مركز صنع القرار الغربي الداعم الاستراتيجي لآلة الحرب.
تستطيع حركة حماس مفاقمة الخلاف الإسرائيلي الغربي، ومفاقمة الصراع الداخلي الإسرائيلي الذي قد يطيح بحكومة نتنياهو فضلاً عن حاجة المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة لوقف حرب التدمير. من خلال إضافة بندين لشروطها المطروحة لصفقة التبادل وهما: قبول فكرة أن يكون قطاع غزة منزوع السلاح، والتنازل عن حكمها لقطاع غزة. وبهذا المعنى لا تذهب التضحيات سدى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى