اخبار

لماذا تغير الموقف الأمريكي من الحرب على غزة؟ عميرة أيسر

عملت الولايات المتحدة الأمريكية منذ عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول على دعم كل الأكاذيب والادعاءات والمغالطات الصهيونية وسخرت لذلك كل ترسانتها الدعائية والاعلامية والدبلوماسية، ودعت نتنياهو لسحق الجيش الفلسطيني في غزة بكل مكوناته وفصائله، وساندت حكومة تل أبيب في سعيها الدؤوب لتهجير سكان القطاع لدول كمصر واليمن والعراق والأردن، كما اقترح أحد أعضاء الكونغرس الأمريكي مؤخراً، بل وأقامت جسراً جوياً عسكرياً لتزويد الجيش الاسرائيلي بكل ما يحتاجه من معدات وذخائر وأسلحة، واستعملت حق الفيتو أكثر من مرة في مجلس الأمن الدولي لمنع صدور قرارات تدين الاحتلال الصهيوني أو تلك التي تدعو لوقف العدوان على قطاع غزة المحاصر، وكان الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن من أوائل المساندين للعملية العسكرية البرية الإسرائيلية التي كانت تهدف بالأساس لتفريغ القطاع من سكانه، والاستيلاء على احتياطات النفط والغاز الموجودة بالقرب من شواطئ غزة، المقدرة حسب تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية بحوالي 1.5 مليار برميل من الخام، و 1.4 ترليون قدم مكعب من الوقود الأزرق، وذلك بدعم من القوى الغربية. كما ذكر موقع RT، بتاريخ 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023م، في مقال بعنوان (“ثروة غزة”…هل تسعى إسرائيل للسيطرة عليها بدعم غربي؟).

بالإضافة لذلك قامت واشنطن بالضغط على الدول العربية المطبعة مع الكيان الصهيوني، من أجل عدم  قطع علاقاتها الدبلوماسية معه، أو توجيه انتقادات لاذعة لإسرائيل وجرائمها البشعة  المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأفشلت كل القمم والمؤامرات العربية والاسلامية التي اكتفت بمطالبة إسرائيل بوقف عدوانها على قطاع غزة، والدعوة لعدم توريد الأسلحة للكيان الصهيوني المحتل، وعدم اتخاذ أي نوع من الاجراءات السّياسية والاقتصادية على غرار قطع النفط عن حلفاء تل أبيب،  كما فعلت في حرب أكتوبر/ تشرين الأول سنة 1973م، بل قامت واشنطن بالإشادة بموقف بعض الدول العربية كالإمارات العربية المتحدة التي أدانت الهجمات البطولية لفصائل الجيش الفلسطيني على مستوطنات غلاف غزة، ووصفت تلك الهجمات بالإرهابية، وتضامنت مع الكيان الصهيوني بصفة مطلقة، ولم تكتفي بذلك بل قدمت معلومات استخباراتية للموساد عن مواقع القواعد العسكرية للحوثيين في اليمن، بعد أن توسعت هذه الحرب لتشمل عدو جبهات أخرى كجبهة جنوب لبنان والجبهة العراقية والسورية والصومالية واليمنية.
فواشنطن ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي تقوم بعدة اجراءات عسكرية غير مسبوقة لتأمين هذا الكيان المحتل في محيطه الاقليمي، حيث قامت بجلب أسطول من السفن الحربية من المحيط الهادي للبحر الأبيض المتوسط، ووجهت انذاراً شديد اللهجة لحزب الله بعدم الدخول في حرب شاملة مع الكيان الصهيوني، بالإضافة لذلك قامت ولأول مرة في تاريخها بفتح القواعد العسكرية الموجودة في إسرائيل والمزودة بأحدث أنواع الأسلحة المتطورة والممنوعة من التصدير حتى لأقرب حلفاء واشنطن أمام الجيش الاسرائيلي، وغضت الطرف عن تصريحات المسؤولين الصهاينة التي تدعو صراحة لإبادة قطاع غزة، وإعادة احتلاله، وحملة التسليح في الضفة الغربية والقدس للمستوطنين من أجل الدفاع عن أنفسهم، حسبما أكد على ذلك وزير الأمن القومي الاسرائيلي ايتمار بن غفير الذي دعا بكل وقاحة لسحق غزة بكل قوة، وذلك بعد استئناف الهجمات على القطاع بعد انتهاء الهدنة المؤقتة، كما دعا زعيم حزب “القوة اليهودية” اليميني المتطرف في تغريدة له على منصة أكس لإعادة احتلال قطاع غزة من قبل إسرائيل، وأضاف” من أجل الأطفال الذين لم يولدوا بعد، ومن أجل القتلى الذين لم يعودوا بعد الأن، وحتى لا تعود أهوال 7 أكتوبر/ تشرين الأول أبداً، يجب أن نعود ونسحق غزة بكل ما أوتينا من قوة، وأن ندمر حماس وأن نعود إلى قطاع غزة، بلا تنازلات، بلا صفقات. كما ذكر موقع القدس العربي، بتاريخ 1ديسمبر/ كانون الأول 2023م، في مقال بعنوان ( المتطرف بن غفير يدعو إلى سحق غزة بكل قوة).

كل هذا الدعم الأمريكي اللامحدود، والمدعوم من طرف اللوبي الصهيوني ودول المنظومة الغربية، سرعان ما بدأ في التغير والتراجع، بعد أن عمت المظاهرات شوارع المدن الغربية والأمريكية مطالبة الإدارة الأمريكية بالتدخل لوقف الحرب الصهيونية الوحشية على غزة، بعد أن وصل عدد الشهداء إلى 13 ألف شهيد، بالإضافة لعشرات الآلاف من الجرحى والمصابين، وبعد أن عجزت إسرائيل بعد مضي 50 يوماً من الحرب على تحقيق ولو جزء بسيط من أهدافها المعلنة، وهي القضاء نهائياً  على حركة حماس التي تعد أقوى فصائل الجيش الفلسطيني في غزة، وتحرير كل الرهائن والمحتجزين وتشكيل حكومة في غزة موالية للاحتلال بدعم كامل من قوات أممية وعربية، لعد إعادة احتلال قطاع غزة بالكامل، وهذا ما فشلت حكومة نتنياهو في تحقيقه رغم كل الأسلحة المتطورة التي استعملتها في القطاع، الذي تحول إلى مقبرة للدبابات الإسرائيلية ولجنود الاحتلال الصهيوني، فحسب وسائل اعلام عربية وأجنبية فإن عدد القتلى الصهاينة في غزة يزداد بشكل شبه يومي، إذ كشف مدير مقبرة جبل هيرتسيل العسكرية عن أعداد كبيرة تم دفنها من جنود الاحتلال الصهيوني جراء المعارك التي تخوضها في غزة حيث تم دفن 50 جندياً خلال 48 ساعة، وقال ديفيد أرون باروخ مدير مقبرة جبل هيرتسل العسكرية” نحن نمر الأن بفترة كل ساعة هناك خسارة، كل ساعة ونصف خسارة، طلب مني فتح عدد كبير من القبور، فقط في مقبرة جبل هيرتسيل، دفنا 50 جندياً خلال 48 ساعة. مثلما ذكر موقع RT،بتاريخ 19نوفمبر/ تشرين الثاني 2023م، في مقال بعنوان (” وفاة 50 جندياً في يومين”. مدير مقبرة عسكرية يكشف هول الخسائر في صفوف الجيش الاسرائيلي ” فيديو”).
فالخسائر المتزايدة في صفوف الجيش الاسرائيلي أدت بإدارة بايدن إلى تخوفه من تأثير ذلك على الشارع الاسرائيلي لعلم واشنطن أن الكيان المحتل لا يستطيع خوض حروب برية طويلة المدى، لأن ذلك يعتبر بمثابة ضربة موجعة للاقتصاد الاسرائيلي الذي يعتبر المتضرر الأساسي من هذه الحرب، بالإضافة إلى أن واشنطن فقدت الثقة في القادة العسكريين الصهاينة الذين فشلوا  في أداء مهامهم رغم كل الامكانيات الاستخباراتية والمعلوماتية المتوفرة، وأنظمة الرصد والاستطلاع والتجسس المعتمدة على أنظمة الذكاء الاصطناعي كنظام “حاسبورا”، الذي يعتمد على المعطيات والمعلومات المستقاة من طائرات درونز والأقمار الاصطناعية العسكرية الأمريكية والإسرائيلية في تحديد تلك الأهداف للطيارين الصهاينة، دون الاعتماد على العنصر البشري للتأكد من المعلومات، وهذا ما يفسر ارتفاع عدد الشهداء في غزة.
فواشنطن وجهت تحذيرات شديدة اللهجة لنتنياهو بعدم تكرار سيناريو ما فعله في قطاع غزة، عند اجتياح جنوب القطاع، وتجنب قدر الإمكان استهداف المدنيين، وذلك حفاظاً على صورة أمريكا في المجتمع الدولي، والتي أصبحت بمثابة الشيطان الأكبر حتى لدى المجتمعات الغربية، وهي الدولة المجرمة التي تدعم الكيان المسخ منذ نشأته، فجوزيف بايدن الذي انخفضت شعبيته بشكل كبير لدى قاعدته الانتخابية في الحزب الديمقراطي نتيجة دعمه اللامحدود لإسرائيل، يريد اخماد غضب أنصاره الذين صدموا من هول جرائم الإبادة الجماعية، المرتبكة من طرف هذا الجيش المجرم بحق النساء والأطفال والرضع، ضف إلى ذلك تقارير الاستخبارات الأمريكية التي باتت تؤكد بأن نتنياهو يريد اشعال فتيل حرب اقليمية كبرى في المنطقة، وتوريط أمريكا في حروب مدمرة مع دول الطوق، وإيران وهذا ما سيؤدي لحدوث فوضى اقليمية عارمة، لن تكون اطلاقاً في صالح العم سام الذي يعاني من العديد من الأزمات السّياسية والاقتصادية الخانقة، ويريد تجنب هذه الحرب الكبرى التي ستصب نتائجها حتماً في صالح روسيا والصين في المقام الأول.
– كاتب جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى