اخبار

اليوم التالي للحرب على غزة..رجب أبو سرية

أما وإنّ كل حرب لا بد أن تصل إلى نهاية، فإن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ستنتهي حتماً، غداً أو بعد غد، بعد أسابيع أو أشهر، وأياً تكن نتيجتها، فإن النتيجة لا تلغي ما اقترفته إسرائيل بحكومة ظهرت كجماعة إرهابية، ولم تظهر كدولة أبداً، فهي لم تلتزم حتى بقوانين الحرب، ولا بمضمونها الإنساني، ومنذ اليوم الأول ارتكبت علناً وعلى رؤوس الأشهاد جرائم الحرب تباعاً، وذلك بدءاً من قطع الماء والغذاء والدواء، إلى ارتكاب جرائم الحرب بشكل متعمد، بقصف المستشفيات والمدارس التي تؤوي النازحين، وقصف المنازل والأبراج، بهدف القتل المتعمد لمئات المواطنين الآمنين، وبخاصة الأطفال والنساء، الذي وصلت نسبتهم من بين الضحايا إلى الثلثين، وهذا مروراً بقتل الصحافيين والمسعفين، وموظفي المؤسسات الدولية من الأمم المتحدة والصليب الأحمر، وصولاً إلى تدمير 80% من مباني غزة، وذلك لجعل القطاع غير قابل للحياة، وكل ذلك لتحقيق هدف هو بحد ذاته جريمة حرب، وهو التهجير القسري، بعد 17 عاماً من ممارسة الضغط المتمثل بالحصار، لتحقيق هدف التهجير الطوعي.
وقد تخللت الحرب مواقف دولية شملت مشارق الأرض ومغاربها، على المستويين الشعبي والرسمي، أدانت جرائم الحرب الإسرائيلية، ونددت بها طوال الوقت، وطالبت بوقف إطلاق النار فوراً، وعقد مجلس الأمن 4 جلسات خلال شهرين من أجل هذا الهدف، وعقدت الجمعية العامة أيضا اجتماعاً أصدرت خلاله قراراً يطالب إسرائيل الالتزام بالقانون الإنساني، والتوقف عن ارتكاب جرائم الحرب، لكن إسرائيل، وفق منطق «لا حياة لمن تنادي»، ضربت عرض الحائط، كما هو حالها منذ سبعة عقود، بالقرار الدولي، وظهرت كدولة مارقة، بل وشاذة، العالم كله في واد، وهي في واد آخر، لكن ما سمح لإسرائيل بالتمرد على الإرادة الدولية والإجماع البشري، هو الموقف الأميركي، الذي كان شريكاً منذ اليوم الأول في الحرب، ولم يكتف بالتعاطف الذي كان يمكن أو يكون مفهوماً، مع إسرائيل في اليوم الأول.
زودت أميركا إسرائيل بمعظم السلاح الذي ارتكبت به جرائم الحرب خلال أكثر من شهرين متواصلين، حيث تقوم دولة مدججة بالسلاح بإطلاق ما يعادل أربع قنابل نووية، على منطقة مكتظة بالسكان، وليس فيها سوى مقاتلين بسلاح فردي، لا يمتلكون لا طائرات ولا دبابات ولا مدافع، وبالطبع لا يمتلكون لا قنابل نووية، ولا حتى سلاحاً كيماوياً، كما أنهم ليسوا كما هو حال جنود ومستوطني الاحتلال، الذين لم يستثنوا مدن وقرى الضفة الغربية، من ارتكاب جرائم الحرب أيضا، أو على الأقل اختراق اتفاقيات جنيف والمواثيق الدولية، التي تؤكد على حماية أرواح المواطنين في الأرض المحتلة، وذلك لأن هدف «دولة إسرائيل» وليس جماعة متطرفة أو إرهابية فقط فيها، هو ارتكاب جريمة الحرب على نطاق واسع وكامل، في عموم ارض دولة فلسطين، وبحق كل الشعب الفلسطيني، الذي يعد 6 ملايين نسمة يعيشون في وطنهم في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس.
لم تكتف الولايات المتحدة، بتزويد إسرائيل بالسلاح والذخائر بهدف واضح وصريح وهو ارتكاب جرائم الحرب، بل سعت إلى تحريرها من أي ضغط، يمكنه فقط أن يكبح جماح التوحش لديها، وذلك بتحريك اكبر حاملة طائرات في العالم «جيرالد فورد»، وحاملة الطائرات الأخرى «ايزنهاور»، ولم يقتصر الأمر، على أول الحرب، ولا على ما ادعته واشنطن من تبرير لمشاركتها في حرب ظالمة، بين احتلال ومقاومة الاحتلال، ترتكب فيها كل جرائم الحرب المتخيلة، والتي لا تخطر على بال، بل ما زالت تواصل تلك المشاركة الفعلية، فهي قامت بإقامة جسر جوي، قدم لجيش القتل المتعمد الإسرائيلي، 45 ألف قذيفة لدبابات ميركافا، قبل أيام، قيمتها أكثر من مئة مليون دولار، في الوقت الذي يمكن للمليارات الأميركية التي تصرفها على أدوات القتل والدمار، أن تبني جسور السلام، وأن تمنح ملايين الجائعين في المنطقة والعالم، ما يسد الرمق.
لقد ظهر واضحاً التمييز العنصري في الموقف الأميركي تجاه الضحايا على الجانبين، فواشنطن التي حركت فوراً حاملات طائراتها، بعد مصرع نحو ألف إسرائيلي في أول أيام الحرب، واصلت المشاركة في حرب إجرامية على شعب أعزل تقريباً، رغم سقوط نحو عشرين ألف ضحية، مع خمسين ألف إصابة، إضافة لتشريد مليوني إنسان من بيوتهم وإلقائهم في العراء، وكل هذا واضح للعيان، في عصر يجري فيه البث الحي والمباشر للفضائيات في كل زاوية وركن ومكان، من العالم.
إن محنة ضحايا غزة، أظهرت أولاً أن إسرائيل دولة إرهاب دولي، وظهرت أميركا كدولة ما زالت مسكونة بالنزعة الاستعمارية، وكدولة ما زالت محكومة بالتمييز العنصري الذي لا يساوي بين البشر الآخرين، أو هنا وفي حالتنا، بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لا في الحق بالحياة، ولا في الحقوق الإنسانية المختلفة.
وإذا كانت إسرائيل خاصة خلال عقدين أو أكثر من الزمان، قد مرا، كانت تشي بما هي عليه حالياً، بعد استمرار حكم اليمين المتطرف لها، وبعد إطلاق إرهاب المستوطنين في القدس والضفة الغربية، وبعد وصول، بل وتحكم بن غفير وسموتريتش بمقود نتنياهو، وذلك لأن إسرائيل تظن بأنها قد وصلت إلى نهاية الطريق، الذي عليها أن تغلق فيه ملف الاحتلال، وبدلاً من أن تواصل طريق اتفاقيات السلام، من كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة، انحرفت بشق طريق اتفاقيات أبراهام، وهكذا لم تجد أمامها سوى طريق التطهير العرقي، فهي باتت أمام خيارين، إما حل الدولتين، أو الإقرار علنا بكونها دولة التمييز العنصري، فهي إما أن توافق على دولة فلسطينية، أو أن تضع الفلسطينيين في معازل، وهي أقامت أحد هذه المعازل بالطوق حول قطاع غزة لمدة 17 عاماً، وهكذا وجدت ضالتها وحلها، بإعادة مشهد نكبة 48، أي بإفراغ قطاع غزة من سكانه، توطئة لفعل الأمر ذاته في الضفة لاحقاً.
هذا كان حال إسرائيل، التي لم تعد تكتفي بدولة آمنة لليهود، تعيش في سلام مع شعوب المنطقة، والتأكيد على ذلك هو رفضها مواصلة طريق الحل مع الشعب الفلسطيني، وتلك كانت روح كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة، بل إنها تتطلع مع حكم اليمين الأيديولوجي والعقائدي إلى إسرائيل الكبرى، التي تضيق عليها جغرافيا دولتها الحالية، وتتطلع إلى أن تكون دولة إقليمية عظمى، ولهذا اصطدمت بدول الجوار (الأردن ومصر) وبدول الشرق الأوسط العظمى، إيران وتركيا وحتى السعودية ومصر.
وإذا كان هذا حال إسرائيل، فإن دافع أميركا ما زال استعمارياً، وهي تظن بأن انتصارها في الحرب الباردة، قد أهلها للسيطرة على العالم، كما تشاء، لتضع يدها المدججة بالقوة العسكرية على كل ثروات الكرة الأرضية، وهكذا بعد إخفاقها في البر الصيني، وعلى الحدود بين روسيا وأوكرانيا، وجدت ضالتها في الشرق الأوسط للإبقاء على سيطرتها الاستعمارية وفق نظامها العالمي أحادي القطب.
الصورة واضحة تماماً، لكن أولاً لا بد من الإصرار على مواصلة الضغط لوقف الحرب المحرمة اليوم قبل الغد، وقد وصل الأمر إلى حد حاد ومتوتر جداً، بعد اصطدام إسرائيل مع الأمين العام الشجاع للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس، ومع عزل أميركا في مجلس الأمن بعد عزلها في الجمعية العامة، وتصويتها وحدها ضد مشروع قرار وقف إطلاق النار يوم السبت الماضي، ثم تالياً البدء منذ اليوم الأول، ما بعد توقف الحرب، إلى ملاحقة إسرائيل وأميركا، سياسياً وجنائياً، ومع توقع سقوط نتنياهو ومعه بن غفير وسموتريتش، ثم بايدن، لا بد من قطع الطريق على محاولة دمج إسرائيل الاحتلالية في الشرق الأوسط، وتطبيع العلاقات معها وهي على هذه الحالة، ثم مواصلة التنديد بأميركا كونها لا تصلح لقيادة العالم، ورفض نظامها العالمي، ثم فتح ملفات جرائم الحرب، وملاحقة كل المتورطين فيها، من أعضاء كابينت الحرب، وقادة الجيش الإسرائيلي، وحتى بايدن وبلينكن، على ما قدماه من مشاركة في حرب كانوا يعرفون بأن جرائم الحرب ترتكب فيها، ولا ننسى فتح ملف ملاحقة السلاح النووي الإسرائيلي، وهذه ستكون صورة اليوم التالي للحرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى