اخبار

مناورة.. اختبار.. أم ميلاد شرق اوسط جديد.. هل باتت المملكة قريبة من التطبيع مع إسرائيل؟

لم يحدث أن اثارت تصريحات مسؤول خليجي ما اثارته تصريحات ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان الذي بدأ يظهر في المشهد قبل سبع سنوات بشأن موقفه من التطبيع الذي اثار ولا يزال يثير الجدل و يسيل الحبر ويؤثث حلقات النقاش في مختلف المنابرالاعلامية دوليا وعربيا و يفرز ردود افعال متباينة بين التشكيك في توجهات المملكة وبين  الرفض والتحسر على الفرص الضائعة في عالم عربي مشتت الاهداف والجهود، ولعل ما يمكن الاشارة له على وقع الحوار الذي استمر نحو الساعة وتعرض لملفات ساخنة في الجزيرة العربية ما يتعلق بشكل الحوار وطريقة اخراجه قبل التوقف عند الحوار الذي انفردت به شبكة فوكس نيوز مع الامير السعودي الحاكم الفعلي للمملكة والذي يعد نجاحا اتصاليا مهما بعد أن تداولته مختلف وسائل الاعلام وسوقت لشخصه في صورة المسؤول غير النمطي  في اتقانه للتواصل بخطاب انجليزي  بارع و المتحفز ايضا للتغييرداخل المملكة  اقتصاديا وثقافيا والترويج للتطور الاقتصادي المسجل في هذا البلد النفطي الثري بثرواته الطبيعية ولكن ايضا بموقعه و مكانته الدينية التي تمن عليه سنويا  بالمعتمرين والحجاج وهذا طبعا على مستوى الشكل وهو ما يحسب للامير الشاب صاحب الطموحات العالية والذي بات يتمتع بشعبية في المملكة.
ولكن ما يثير الانتباه و هنا الامر يتعلق بما تضمنه الحوار على قناة فوكس نيوز من اثارة لا سيما في علاقة بنقطتين اساسيتين أما الاولى فتتعلق بنفي الامير بوضوح  توقف مسار التطبيع على عكس ما كشفته قبل ايام مصادر عن مسؤول في مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي  ناتنياهوعندما عبر عن اسفه لتوقف المحادثات ,  والثانية في علاقة بالمشروع النووي الايراني الى جانب ما اشار اليه الامير محمد بن سلمان من ملفات اخرى تتعلق بانهاء الحرب في اليمن …

وللوهلة الاولى يبدو و كأن الامر يتعلق على الارجح  بخطاب سياسي موجه للغرب بأن المملكة يمكنها الضلوه بدور مهم في مسار السلام المحنط في الشرق الاوسط و انها يمكن ان تقبل بالتطبيع في حالات معينة , و حتى الان فان الامر لا يتجاوز حدود التصريحات واطلاق بالونات اختبار ورسائل الطمأنة ربما في انتظار ان تحقق الرياض مطالبها بشأن البرنامج النووي الذي تسعى اليه كخطوة على البرنامج الايراني و لكن ايضا كشريك ضمن الحلف الاطلسي لازالة مخاوف المملكة الامنية… لا نريد الانسياق الى الاوهام و لكن لا شيء يمكن ان يدفع المملكة الى رهان التطبيع المجاني دون الحصول على ضمانات او تنازلات او اتفاقات تضمن على الاقل الحد الادنى للشعب الفلسطيني خاصة و ان المملكة لم تتخلف عن تجديد التزامها في هذا الشان , والارجح ان ولي العهد الذي اظهر نضجا سياسيا في التعاطي مع الاحداث الكبرى وتحقيق ما يهدف اليه من طموحات لا يمكن ان يسقط من حسابه تداعيات الانسياق الى تطبيع مع الكيان الاسرائيلي على اساس صك على بياض فلا المنطق و لا العاطفة تقبل ذلك ولا شيء يمكن ان يضع المملكة رهن الابتزاز على الاقل في هذا المرحلة ..
-ولي العهد و مؤسسة توني بلير
مؤشرات كثيرة تؤكد ان ولي العهد السعودي اليوم ليس ولي العهد الذي بدأ يظهر في الساحة السياسية قبل سبع سنوات، تقول صحيفة التايمز البريطانية ولي العهد السعودي اعتمد على مؤسسة رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير،  التي تقدم له  المشورة و النصح خاصة في رسم الاهداف المستقبلية وفي التعاطي مع الاحداث الكبرى وحتى في تنظيم المهرجانات الثقافية والفنية وغيرها التي تحتضنها المملكة و التي باتت تسوق للوجه  الجديد للسعودية المنفتح بعيدا عن قبضة الوهابية و مخاطر التطرف الذي انجرفت اليه طوال عقود … وحسب الصحيفة فان الشراكة مع مؤسسة توني بلير للتغيير العالمي  بدات أواخر 2017، ضمن اتفاقية لم يُكشف عنها النقاب مسبقا، بإعتماد موظفين للعمل في وزارة الإعلام والثقافة السعودية للمساعدة في  صياغة رؤية المملكة 2030، التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على مدى السنوات الست الماضية..
– مناورة أم توجه نحو التطبيع؟
من خلال حواره مع فوكس نيوز حافظ الامير بن سلمان على الغموض بشأن تصريحاته حول محادثات السلام بما يجعل كل التاويلات قائمة بقوله أن المملكة “تقترب بشكل مطرد من تطبيع العلاقات مع إسرائيل” قبل ان يوضح بأن “القضية الفلسطينية مهمة للغاية، نحن بحاجة إلى حلها ولدينا مفاوضات جيدة مستمرة حتى الآن، وسنرى إلى أين سنتوصل في هذه المفاوضات”.
وهو ما يجعل مسار التطبيع مرتبط بما سيحدث لاحقا ” بما يمكن أن يعزز القناعة بان تصريحات الامير السعودي تتنزل في اطار اختبار مهم للنوايا  قد لا تتضح نتائجه في الحين و هي ربما تتنزل في اطار حسابات سياسية و لعبة مصالح تفترض الكثير من المكر السياسي والدهاء لفرض شروط المملكة قبل الانسياق الى أي اتفاق ,و ربما تكون هذه التصريحات ايضا في اطار تقاسم للادوار خاصة بعد ان سبق لوزير الخارجية السعودي أن صرح بانه لا مجال للتطبيع دون حل للقضية الفلسطينية …و لا نخال المملكة تتعجل اتفاقا مع الكيان الاسرائيلي لا يلبي شروطها و مطالبها في هذه الملفات …
و من هذا المنطلق يمكن تفسير تصريحات وزير الخارجية الاسرائيلي كوهين الذي عجل بالتعليق على تصريحات ولي العهد السعودي مؤكدا بدوره أن “التطبيع سيستغرق وقتا لكن هناك تقدم حاصل “قبل ان يضيف بانه يتوقع ان يحصل التطبيع بين الرياض و تل ابيب خلال الربع الأول من عام 2024، بعد أربعة أو خمسة أشهرمن الان … وهو تفاؤل مبالغ فيه و ربما وجد فيه الوزير الاسرائيلي ما يخفف وطأ صفعة  الشارع الليبي بعد تسريب لقاءه بوزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش في روما و ما اثارته من غضب شعبي انتهى باختفاء الوزيرة و خروج الصراع داخل حكومة ناتنياهو الى العلن بعد كشف ناتنياهو معارضته عن كشف لقاء روما … و بالعودة الى حوار الامير السعودي مع قناة فوكس نيوز فان الارجح أن الامر لن يتجاوز حدود التصريحات و تبادل رسائل الطمأنة ربما في انتظار ان تحقق الرياض مطالبها بشأن البرنامج النووي الذي تسعى اليه كخطوة على البرنامج الايراني و لكن ايضا كشريك ضمن الحلف الاطلسي لازالة مخاوف المملكة الامنية …
“نقترب كل يوم أكثر فأكثر” من تطبيع العلاقات مع إسرائيل هذا ما قاله بن سلمان قبل ان يستدرك “بالنسبة لنا، القضية الفلسطينية مهمة للغاية علينا حلها”.و ربما ما يثير التساؤلات هنا أن ولي العهد السعودي لم يشر الى اتفاقية الامير عبدالله التي اطلقها في بيروت سنة 2000 تحت شعار الارض مقابل السلام و لكنه اشار الى أن المملكة معنية بتحسين حياة الفلسطينية وهذه مسألة مهمة و هدف فلسطيني ايضا على الا يكون ذلك تحت الاحتلال و لكن في ظل دولة فلسطينية قابلة للحياة ..قيادي فلسطيني و سفير سابق في نقاش حول التطبيع المرتقب بين السعودية و اسرائيل  اعتبر ان الامر لا يخل من مكر سياسي لولي العهد السعودي الذي برهن عن قدرة فائقة في المناورة و تسليط الاضواء على مكانة المملكة و ثقلها الاقتصادي و الامني و الديبلوماسي خليجيا و عربيا و حتى دوليا بعد التطبيع مع اران و بعد دخول المملكة في شراكات اقتصادية ضمن البريكس و مجموعة ال20 فضلا عن التقارب المهم مع الصين و روسيا و الهند ..  طبعا كل القراءات و التاويلات قائمة في انتظار ان تتضح الرؤية , و ليس كل ما يدور خلف الكواليس يعلن و ليس كل ما يعرف يقال …حتى هذه المرحلة يبقى الغموض قائما و تبقى كل السيناريوهات محتملة و لا يمكن الجزم بان التطبيع بين السعودية و اسرائيل ان اوانه و الا ما الذي كان يمنع المملكة من الانضمام الى اتفاقية ابراهام الى جانب الامارات و البحرين و المغرب .. نقطة اخرى وجب التوقف عندها تتعلق بتوقيت هذه التصريحات التي تنشر بالتزامن مع اشغال الجمعية العامة للامم المتحدة و الدعوات المتواترة فلسطينيا و عربيا لاحياء عملية السلام , كما تاتي أيضا مع حلول الذكرى الثلاثين لاتفاقات اوسلو التي التفت عليها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة و جعلتها منطلقا لومواصلة سياسة الاغتيالات و الاقتحامات و التهويد و توسيع الاستيطان على كل جزء من ارض فلسطين المحتلة بحيث يستحيل الربط بين كل المناطق او اقامة الدولة الفلسطينية مستقبلا …
لا خلاف أن اعين ولي العهد ايضا على الجار اللدود ايران وتاكيده ان احتمال حصول إيران على السلاح النووي يجعل المملكة مضطرة  لأن تفعل الأمر نفسه.
حيث قال: “نحن قلقون من احتمال حصول دولة ما على سلاح نووي. هذا أمر سيئ”…لم يتاخر الموقف الايراني ازاء التصريحات بشان التطبيع و قد حاول الرئيس الايراني رئيسي عان يكون هادئا  عندما سئل عن رايه و هو في نيويورك لحضور اشغال الجمعية العامة للامم المتحدة حيث اعتبرأن علاقة بلاده مع السعودية تتطور و انه لم يعلم باي شيء من هذا القبيل  قبل ان يضيف بالقول أن” علاقة بين دول في المنطقة والكيان الصهيوني ستكون طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية”.
 في غضون ذلك أعلنت واشنطن إقرار حزمة مبيعات عسكرية محتملة للسعودية بقيمة 500 مليون دولار، وقالت وكالة الأمن والتعاون الدفاعي الأمريكية التابعة للبنتاغون في بيان، إن هذه الصفقة المقترحة ستدعم أهداف السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة و هو ما يعني ان العلاقات مع واشنطن في افضل حالاتها و هذا ايضا ما يريده بايدن قبل خوض المعركة الانتخابية القادمة في 2024 و التي يامل ان يكون متسلحا للفوز بها باتفاق التطبيع السعودي الاسرائيلي …و في انتظاران تتضح الرؤية يبقى الاكيد اليوم ان منطقة الشرق الاوسط ستكون مقبلة على  تحولات خطيرة و معقدة  و انه ربما هناك فرصة يمكن للسعودية الاستثمار فيها و تعزيز موقعها في المنطقة و في العالم بفرض شروطها القوية و المشروعة قبل القبول باي مشروع مجاني للتطبيع و الانتصار لمبادرة الامير عبدالله و منع حصول الاهانة الابدية للقضية الفلسطينية و تمريغ انف الجميع في الوحل و الاكيد ان المملكة ليست في حاجة لهذا  الاتفاق  بل ان الكيان الاسرائيلي من يحتاجه  و هو اتفاق ان رأى النور سيعني بكل بساطة التخلي عن الشعب الفلسطيني و التنكر لنضالات اجيال و سيمكن الاحتلال من اكتساب شرعية مزيفة  في المنطقة على  جثث جيوش من الضحايا و الشهداء الفلسطينيين على مر عقود طويل من الظلم بتوقيع المجتمع الدولي …
اخيرا و ليس اخرا ندرك جيدا ان قائمة رافضي التطبيع تتقلص و ان القضية الفلسطينية تفقد ورقة التضامن العربي و لكن لا يزال هناك قناعة بأن السعودية لا يمكن ان تكون الخنجر الذي يطعن القضية و يتنازل عنها مجانا لوحش الاحتلال الصهيوني ..و لا يزال بامكان السعودية ان تكون وسيطا و حكما مؤثرا يمكن ان يعيد توجيه البوصلة الى حيث يجب ان تكون في مواجهة اختبار التطبيع واعادة الاعتبار للحق الفلسطيني …
كاتبة تونسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى