اخبار

مؤشّرات لتهرّب نتنياهو من الصفقة المطروحة

أثار خطاب الرئيس بايدن حول الصفقة المقترحة، الإسرائيلية في جوهرها، جدلاً واسعاً في إسرائيل، شارك فيه الوزيران في حكومة الاحتلال بتسلئيل سموتريتش (“الصهيونية الدينية”) وإيتمار بن غفير(“عوتسما يهوديت”)، مطالبين بحلّ الائتلاف وإسقاط الحكومة، إذا ما وافقت على المقترح الذي عرضه بايدن، مساء الجمعة الماضي.

وأكّد بايدن أنه مقترح إسرائيلي لإبرام اتفاق بشأن هدنة مؤقتة في قطاع غزة، يتضمن صفقة تبادُل أسرى وإنهاءً للحرب، تأتي على ثلاث مراحل. بيد أنه أغفل عمداً أيّ إشارة لتسوية الدولتين، وجعل مسألة بقاء “حماس” في الحكم ضبابية، وذلك لتيسير عملية تمرير الصفقة في الشارع الإسرائيلي، وهو المستهدف الأساس لهذا الخطاب، الذي جاء بايدن فيه لحماية إسرائيل من نفسها هذه المرة وهي تمضي في طريق مسدود خلف سراب، وطمعاً بانتصار مفقود بعد ثمانية شهور من حرب متوحشّة على قطاع غزة. ويجد نتنياهو نفسه الآن أمام ضغوط خارجية وداخلية مرشحة للتصعيد، لكنه، ورغم أن الصفقة المقترحة تمنح إسرائيل سلماً للنزول عن الشجرة بلباقة، وتعطيها الامتيازات، يبدو نتنياهو، وفق عدة مؤشرات، أنه يتجه للتهرّب منها ورفضها والاختباء خلف مزاعم وذرائع متنوعة.

وأعرب وزراء وأعضاء كنيست من الائتلاف ومن المعارضة عن رفضهم لصفقة قد تؤدي إلى وقف لإطلاق النار، وإنهاء الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ نحو 240 يوماً. وقال وزير المال الإسرائيلي المستوطن الغيبي باتسلئيل سموتريتش، في بيان نشره في حساباته الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي: “تحدثت الآن مع رئيس الحكومة، وأوضحت له أنني لن أكون جزءاً من حكومة توافق على الخطوط العريضة المقترحة، وتنهي الحرب من دون تدمير “حماس”، وإعادة جميع المخطوفين”. وأضاف: “لن نوافق على إنهاء الحرب قبل تدمير “حماس”، ولن نوافق على إلحاق ضرر جسيم بإنجازات الحرب حتى الآن من خلال انسحاب الجيش الإسرائيلي وعودة سكان غزة إلى شمال القطاع، ولا على الإفراج بالجملة عن “الإرهابيين” الذين سيعودون إلى قتل اليهود”.

وطالب سموتريتش باستمرار القتال حتى القضاء على “حماس”، وعودة جميع المخطوفين، وإيجاد واقع أمني مختلف تماماً في غزة ولبنان، وعودة جميع السكان إلى منازلهم في منطقتَي الشمال والجنوب، والاستثمار الضخم في التنمية المتسارعة في هاتين المنطقتين.

كما هدد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، المدان بالإرهاب من قبل محكمة إسرائيلية، بحل الحكومة، وقال إن “الصفقة بتفاصيلها التي نُشرت تعني نهاية الحرب والتخلي عن تدمير حماس”.

وتابع: “إنها صفقة مذلة، وهي انتصار للإرهاب، وخطر أمني على إسرائيل، والموافقة عليها لا تمثل النصر المطلق، بل الهزيمة المطلقة. لن نسمح بإنهاء الحرب من دون القضاء التام على “حماس”. إذا نفّذ رئيس الحكومة الصفقة، التي تعني نهاية الحرب والتخلي عن هزيمة “حماس”، فإن حزب “عوتسما يهوديت” سيقوم بحل الحكومة”.

وقال رئيس حزب “الأمل الجديد”، الوزير المستقيل، عضو الكنيست جدعون ساعر، من المعارضة، إن أيّ اتفاق يؤدي إلى بقاء حركة “حماس” قوة حاكمة، وذات قوة عسكرية في غزة، يعني أن التهديد الذي يواجه سكان إسرائيل بشكل عام سيظل قائماً، وهذه ستكون هزيمة إسرائيلية، وانتصاراً لـ”حماس” ينطوي على عواقب بعيدة المدى.

سلّة أمان
 في المقابل، اعتبر رئيس حزب “يوجد مستقبل” وزعيم المعارضة عضو الكنيست يائير لبيد تهديدات بن غفير وسموتريتش بإسقاط الحكومة إهمالاً وتهوراً وتخليّاً تاماً عن الأمن القومي والمخطوفين وسكان الشمال والجنوب.

وكان لبيد حثّ نتنياهو، أمس، على الاستجابة لدعوة بايدن بشأن التوصل إلى الهدنة في غزة، وعرض دعم الحكومة من خلال ضمان أغلبيتها في الكنيست، في حال انسحاب أعضاء اليمين المتطرف من الائتلاف.

وقال لبيد في تغريدة نشرها في موقع “إكس”: “لا يمكن للحكومة الإسرائيلية أن تتجاهل خطاب الرئيس بايدن المهم. هناك صفقة مطروحة على الطاولة، ويجب إبرامها. أذكّر نتنياهو بأن لديه شبكة أمان منا لصفقة إطلاق المخطوفين، إذا ترك بن غفير وسموتريتش الحكومة”.

 أما الوزير في “كابينيت الحرب” الإسرائيلي بني غانتس، رئيس “المعسكر الرسمي”، فأكد أن الولايات المتحدة أظهرت، عموماً، ومنذ بداية الحرب خصوصاً، التزامها أمن إسرائيل، وعودة المخطوفين. وأضاف: “إننا نشعر بالتقدير الكامل للرئيس بايدن وجميع أصدقائنا الأمريكيين على دعمهم. كما أننا ملتزمون بمواصلة الدفع قدماً بمخطط إعادة المخطوفين، حسبما وضعه فريق التفاوض، ووافق عليه كابينيت الحرب بالإجماع، وذلك في إطار تحقيق كافة أهداف الحرب. وفي ضوء آخر التطورات، يجب أن يجتمع كابينيت الحرب بفريق التفاوض بأسرع وقت ممكن، لبلورة الخطوات التالية.

 وكان مسؤولٌ إسرائيلي رفيع المستوى أكد، مساء السبت، أن المقترح الذي عرضه الرئيس الأمريكي يمثل الخطوط العريضة للمقترح الإسرائيلي، وشدّد على أن إسرائيل تحتفظ بحق استئناف القتال في أيّ وقت، إذا خالفت “حماس” التزاماتها في الاتفاق، بما في ذلك عدم إطلاق سراح المخطوفين بالعدد المتفق عليه، وإذا ما توصلت إسرائيل إلى انطباع مفاده أن المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق عقيمة، وتتواصل بهدف كسب الوقت فقط.

شروط إسرائيل
 وأكد هذا المسؤول أن شروط إسرائيل لإنهاء الحرب في قطاع غزة لم تتغير، وهي: تدمير القدرات العسكرية والحكومية لحركة “حماس”، وإطلاق جميع المخطوفين، والتأكد من عدم عودة قطاع غزة إلى تشكيل تهديد أمني لإسرائيل. وشدّد المسؤول نفسه على أن مقترح إطلاق المخطوفين يسمح لإسرائيل بالادعاء أن كل هذه الشروط ستتحقق قبل أن يدخل وقف إطلاق النار الدائم حيز التنفيذ.

وقال مسؤول أمريكي، في وقت لاحق، إن الاقتراح الإسرائيلي كان عبارة عن وثيقة مفصلة للغاية، ويبدو أن “كابينيت الحرب”، الذي يضم نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، والوزير بني غانتس، وافق عليه، لكن يفترض أنه لم يتم تقديمه بعد إلى الكابينيت ​​الأوسع، الذي يضم الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذين يعتمد نتنياهو عليهما للحفاظ على أغلبية ائتلافه.

وفي بيان صدر مباشرة بعد خطاب بايدن، قال ديوان رئاسة حكومة الاحتلال إنها موحدة بشأن الرغبة في إعادة المخطوفين بأسرع وقت ممكن، وتعمل على تحقيق هذا الهدف، ولذلك، كلّف رئيس الحكومة الفريق المفاوض تقديم اقتراح لتحقيق هذا الهدف، مع الإصرار على أن الحرب لن تنتهي إلّا بعد تحقيق جميع أهدافها، بما في ذلك عودة جميع المخطوفين، والقضاء على قدرات “حماس” العسكرية والحكومية. وأضاف البيان أن الاقتراح الدقيق الذي تطرحه إسرائيل، بما في ذلك الانتقال المشروط من مرحلة إلى أُخرى، يسمح لإسرائيل بالحفاظ على هذه المبادئ. ولم يوضح ديوان نتنياهو، الذي لم يشِر إلى خطاب بايدن على الإطلاق، ما إذا كان اقتراحه هو الاقتراح نفسه الذي وصفه بايدن خلال خطابه.

“حماس” ترحب ولكن..
وقالت حركة “حماس”، أمس، إنها تنظر إلى الاقتراح بإيجابية، وأضافت أنها تؤكد موقفها بشأن الاستعداد للتعامل بشكل إيجابي وبنّاء مع أيّ مقترح يقوم على أساس وقف إطلاق النار الدائم، والانسحاب الكامل من قطاع غزة، وإعادة الإعمار، وعودة النازحين إلى جميع أماكن سكناهم، وإنجاز صفقة تبادُل جادة للأسرى، إذا ما أعلنت إسرائيل التزامها الصريح بذلك.

وروّج وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن المقترح، في مكالمات هاتفية متتالية، مع كلٍّ من وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، ووزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود، ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي. وشدد بلينكن على أن المقترح يصبّ في مصلحة الإسرائيليين والفلسطينيين. وكانت ردة فعل زعماء دوليين آخرين إيجابية على المقترح. وكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باللغتين العبرية والعربية في وسائل التواصل الاجتماعي أن على الحرب في غزة أن تتوقف. كما أيّد المقترح الذي أعلنه بايدن، والذي وصفه بأنه يؤدي إلى إطلاق المخطوفين، ووقف إطلاق نار مستدام، بغية العمل من أجل السلام والتقدم نحو حل الدولتين.

ورحبت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك بالاقتراح، قائلةً إنه يقدم بصيصاً من الأمل، ومساراً محتملاً للخروج من مأزق الحرب.

كما أعربت رئيسة الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين عن دعمها للاقتراح. وكتبت في موقع “إكس”: “أنا أتفق تماماً مع بايدن على أن المقترح الأخير يمثل فرصة مهمة للتحرك نحو إنهاء الحرب ومعاناة المدنيين في غزة. هذا النهج المؤلف من ثلاث خطوات متوازن وواقعي. إنه الآن بحاجة إلى دعم جميع الأطراف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى