اخبار الإمارات

تداعيات انقلاب النيجر

ت + ت الحجم الطبيعي

ما يحدث في النيجر نتيجة الانقلاب الذي قام به الحرس الرئاسي يوم 26 يوليو الماضي ضد الرئيس محمد بازوم المنتخب ديمقراطياً، يلقي بظلال آثاره، ليس على الوضع الداخلي في النيجر فقط، بل يتجاوزه إلى الوضع الإقليمي والدولي، وهذا ما يؤكد تداخل الأحداث الدولية وتأثيراتها في العلاقات بين الدول، ما يدل على تعقيدات وتشابك العلاقات الدولية وترابطها وانعكاس نتائجها وتأثيراتها على الدول والأقاليم باختلاف أحجامها وأوضاعها ومواقعها الجغرافية.

تأثيرات فوضى الانقلاب تتجاوز الوضع الداخلي في النيجر لما لها من مخاطر وتداعيات على الوضع الإقليمي الهش ولما لها من تأثيرات مباشرة على دول الجوار، بل تتجاوز ذلك لتصل إلى الوضع الدولي وذلك لأسباب عدة تؤثر على عدد من الملفات منها الاقتصادي والأمني والإنساني.

تعد النيجر من الدول الفقيرة رغم أنها غنية بمواردها الطبيعية وهنا تكمن أحد أهم أسباب أهميتها لدى الدول الغربية، حيث تمتلك النيجر ثاني أكبر احتياطي من اليورانيوم في العالم، وتعتبر أكبر مورد له لدول الاتحاد الأوروبي، ذلك حسب بيانات وإحصائيات عام 2021 المنشورة من قبل وكالة الإمداد التابعة لمجموعة الطاقة الذرية الأوروبية، كما أن النيجر تزود فرنسا بنسبة 15% من احتياجاتها من اليورانيوم أي أنها تمثل خمس إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من اليورانيوم. وهذا يعني أن النيجر توفر 70% من اليورانيوم التي تحتاجه محطات الطاقة النووية الفرنسية لتوفير الطاقة الكهربائية لفرنسا وعدد من الدولة الأوروبية.

ومن الأسباب المهمة والاستراتيجية هو الموقع الاستراتيجي للنيجر، والذي يعد من أهم وأكبر المخاوف الغربية، أن يتحول هذا الموقع الاستراتيجي إلى منطقة آمنة للميليشيات المتطرفة والجماعات الإرهابية، وفعلياً النيجر ليست بعيدة عن المتطرفين والإرهابيين كجماعة «بوكو حرام» و«داعش» و«القاعدة»، لذا تتواجد فيها قواعد عسكرية أمريكية وفرنسية لمراقبة ومكافحة الإرهاب.

إضافة إلى الخوف من انتشار الجماعات الإرهابية، هناك خطر آخر قد يهدد الوضع الأمني الداخلي ويمتد إلى الدول المجاورة وهو الحرب الأهلية نتيجة الصراعات الاثنية والقومية، حيث يتكون المجتمع النيجري من 5 عرقيات تتحدث 5 لغات مختلفة، وما يعزز اشتعال شرارة هذا الخطر، الوضع الاقتصادي السيئ وسوء الخدمات الصحية وضعف النظام التعليمي.

ومن التداعيات المرعبة لدول القارة الأوروبية من انقلاب النيجر والذي يسببه الانفلات الأمني هو تدفق مئات المهاجرين الأفارقة يومياً إلى أوروبا، ولهذا التخوف عدة أسباب ومبررات أولها الآثار السلبية للحرب الروسية الأوكرانية على أوروبا والتي أثرت على الاقتصادات الأوروبية وزادت من ارتفاع نسبة البطالة والتضخم بالتالي لا توجد لديهم القدرة على استقبال المهاجرين، وقد شهدت عدد من الدول الأوروبية عدة احتجاجات ومظاهرات بسبب الأوضاع الداخلية الاقتصادية، والتخوف الآخر وهو الأخطر أن يكون من بين المهاجرين إرهابيون أو تجار سلاح ومخدرات بالتالي سيشكل المهاجرون تهديداً أمنياً ومجتمعياً.

كما يرى عدد من الباحثين أن ما حدث في النيجر (آخر معاقل فرنسا) هو بسبب السياسات الفرنسية تجاه الدول الأفريقية وشعوبها، حيث يرى الجيل الأفريقي الحالي أن الغرب استغل الخيرات والموارد الطبيعية الأفريقية واستمتع بها وعاش الرفاهية بسببها وتركهم في فقر ومعاناة وأبعدهم عن التنمية.

لذا هناك توافق بين الانقلابيين في الدول الأفريقية على إبعاد فرنسا وإنهاء وجودها، والترحيب بدول أخرى على رأسها روسيا الند الرئيس ضد الهيمنة الغربية والساعية إلى تغيير النظام العالمي بحيث يكون متعدد الأقطاب، إلا أنه في الجانب الآخر هناك من يرى أن الانقلابيين لا يملكون مشروعاً وطنياً أو خططاً تنموية مستقبلية، بالتالي هم متجهون نحو الفشل ومزيد من التدهور الاقتصادي.

ومن وجهة نظر بعض الباحثين أن استبدال فرنسا أو الدول الغربية بدول أخرى كروسيا والصين لملء الفراغ ليس هو الحل الأمثل، باختصار إذا عممنا الحالة في النيجر على الكثير من الدول الأفريقية سنجد أن القارة الأفريقية تعاني من فراغ أفريقي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى