اخبار الإمارات

قصة صعود قوية لسوق الأسهم الهندية

ت + ت الحجم الطبيعي

ارتفاع أسعار الأسهم في أمريكا يتعلق بقطاع التكنولوجيا فيما الطفرة الهندية أكثر اتساعاً

في حين ينشغل أغلب المستثمرين حول العالم بتصاعد أسعار الأسهم في الولايات المتحدة الأمريكية، القوة المهيمنة مالياً على مستوى العالم، إلا أن ثمة سوقاً صاعدة أكثر قوة في الهند.

وباعتبارهما سوقي الأسهم الوحيدتين اللتين ارتفعتا مؤخراً لأعلى مستوياتها على الإطلاق، من حيث القيمة الدولارية، فإن أمريكا والهند تتقدمان أسواق الأسهم في بعض النواحي الواضحة. وتعد السوقان مدفوعتين باقتصادات قوية نسبياً، وقاعدة كبيرة من المستثمرين المحليين المتفائلين. لكن بخلاف ذلك، لا تتشابه السوقان الصاعدتان على الإطلاق.

وتعد سوق الولايات المتحدة حالة شاذة تاريخياً، ويتعلق الأمر كله بقطاع واحد، التكنولوجيا. في داخل القطاع هناك حفنة من العمالقة الذين أطلقت عليهم أسماء مستعارة مختلفة، كان آخرها السبعة الرائعون. ويتقدم عمر هذه الشركات، وتزداد حجماً، وتمتص الحياة من الأسهم الأخرى.

في العام الفائت، ارتفعت أسهم «السبعة الرائعين» بنسبة 80 %، وشكلت أكثر من نصف مكاسب سوق الأسهم الأمريكية. في الوقت نفسه، انخفض المتوسط لـ4,700 سهم أخرى يتم تداولها في الولايات المتحدة. إنها قصة عوائد مركزة بشكل غير عادي، وزاد من تأجيجها الهوس بالذكاء الاصطناعي، الذي يُنظر إليه في الأساس باعتباره نعمة بشكل أساسي للشركات الكبرى.

ولبيان مدى غرابة الأمر، يجب ملاحظة أنه في الماضي لم تعان الشركات ذات رؤوس الأموال الصغيرة بسبب تفوق أداء الشركات ذات رؤوس الأموال الكبيرة، خلال صعود الأسواق في الولايات المتحدة. وذلك في أوائل السبعينات ومرة أخرى في تسعينات القرن العشرين. وحققت الشركات الصغيرة عوائد سنوية تفوق 9 % القرن الماضي، وارتفعت عوائدها بفضل أسواق صاعدة قوية.

أما الآن، فالصغار في حالة هبوط وانخفاض. وعادة ما يتحمل مستثمرو التجزئة مخاطر أكثر بكثير من المستثمرين المؤسسيين، ويميلون إلى الاحتفاظ بمحافظ مختلفة للغاية. وقبل 3 سنوات فقط، في ذروة الوباء، كان جمهور التجزئة في ثورة مفتوحة، محاولين إثبات خطأ كبار صناديق التحوط من خلال المراهنة على مراكزهم. اليوم، يهيمن السبعة الرائعون على أكبر 10 حيازات لكل من صناديق التحوط والمتداولين اليوميين على منصة «روبين هود».

وعلى النقيض، فإن السوق الصاعدة في الهند تعد سوقاً كلاسيكية على نطاق واسع. وتتوزع المكاسب فيها على نحو أكثر توازناً بين القطاعات، ولم يشكّل أي قطاع حتى ربع العوائد الإجمالية على مدار العام الماضي. وفي حين تحقق الأسهم الكبيرة مكاسب في البلاد، لكن نظيراتها الصغيرة والمتوسطة تمكنت من تحقيق مكاسب أكبر. وبعدما كانت تخسر منذ أوائل 2023، ارتفع متوسط السهم بأكثر من 40 %.

وثمّة تصوّر بأن الهند تستفيد من هروب الأموال من الصين. وبالطبع، تشهد الهند تدفقات للأموال الأجنبية إليها، لكن ليس بذات سرعة الأموال المحلية. ونتيجة لذلك، يتملّك مستثمرو المحافظ الأجانب ما يقل عن 40 % من الأسهم المُتاحة للتداول العام، انخفاضاً من 60 % قبل عقد.

وبدلاً من التفاؤل المدفوع بالذكاء الاصطناعي، تحصل الهند على دَفعة للأمام من شيوع الثقافة المتعلقة بالأسهم، حيث يمكن ارتفاع الدخول مزيداً من الأشخاص من شراء الأسهم. وتضاعف حجم الأموال التي يحتفظ بها الهنود في خطط استثمار ثلاث مرات هذا العقد إلى قرابة 110 مليارات دولار.

وعلى مدار العقدين الماضيين، تضاعف عدد الشركات المُدرجة في السوق الهندية بنحو خمس مرات إلى 2,800 شركة، مقابل انخفاضه بنسبة الربع في الولايات المتحدة إلى 4,700، مع بدء احتكارات القِلة في بسط قبضة أكثر قوة على غالبية الصناعات، وليس التكنولوجيا فحسب.

اللافت للنظر هنا هو تضاعف قيمة 180 شركة في الهند ثلاث مرات هذا العقد، وأصبحت تتمتع الآن بقيمة سوقية قدرها مليار دولار لكل منها أو أكثر حالياً. ويفوق هذا ما هو موجود في أي بلد آخر، حتى الولايات المتحدة.

وتشهد غالبية الأسواق الصاعدة تراكماً بمرور الوقت. وفي الهند، يتضح الأمر من خلال مجموعات فرعية لطبقة مستثمرين التجزئة الأفراد الآخذة في الازدياد. واشترى الهنود في 2023 أكثر من 85 مليار عقد خيار، أو ما يقرب من ثمانية أضعاف الحجم المُسجل في الولايات المتحدة، واحتفظوا بهذه العقود لأقل من نصف ساعة في المتوسط. وفي خضم هذا الهوس، أصدر المنظمون في الهند أوامر لمنصات التداول بنشر تحذير، يفيد بأن 90 % من المستثمرين الأفراد يخسرون أموالهم في هذا النوع من التداولات.

وبقيمة إجمالية تبلغ 4.6 تريليونات دولار، تتضاءل سوق الأسهم الهندية، شأنها شأن كافة الأسواق الأخرى، مقابل السوق الأمريكية البالغة قيمتها 62 تريليون دولار. ومع ذلك، تتمتع سوق الأسهم الهندية بالتنوع ذاته، بيد أنها أكثر تنافسية ولديها مجال أكبر للنمو. وبطبيعة الحال، فالاستثمار في السوق الهندية يأتي بمخاطره الخاصة. ورغم أنها أكثر تكلفة من نظيرتها الأمريكية، لكنها أقل تقلباً أيضاً، ما يشير إلى قناعة قوية للغاية لدى المستثمرين بأن الأوقات الجيدة ستظل جارية.

وبالنسبة لدولة لطالما كانت مخيبة لآمال المتفائلين والمتشائمين، فقد صار مستوى التوقعات مرتفعاً للغاية حالياً. ومع ذلك، وفي وقت يبدو فيه عالم الاستثمار، وأعينه مُعلقة حصراً على الطفرة المدفوعة بالذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، من المدهش رؤية سوق كبيرة أخرى وهي ترقص على سلم صاعد، لكن على لحنها الكلاسيكي الخاص.

الكاتب هو رئيس «روكفيلر إنترناشونال»


تابعوا البيان الاقتصادي عبر غوغل نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى