اخبار الإمارات

رحلة نحو الذات

ت + ت الحجم الطبيعي

إنها واحدة من أكثر العبارات سطوعاً وقوة في الفيلم (إذا كان صحيحاً أننا لا نعيش إلا بجزء صغير مما يعتمل في دواخلنا، فما مصير بقية الأجزاء إذن؟)، وهكذا بقية الفيلم، رحلة نحو الكشف عن كنه هذه الأجزاء وملاقاتها!

حين تنتهي من مشاهدة فيلم (قطار الليل إلى لشبونة)، والمأخوذ عن رواية بالاسم نفسه، للكاتب والفيلسوف الفرنسي بيتر بيري، ينتابك شعور عميق وحقيقي، أن الحوار في الفيلم كان قليلاً جداً، ولكنك حين تقوم بمراجعة أو استعراض للفيلم، تكتشف أن ما قيل فيه وما عرضه الفيلم كثير جداً، حتى إنك تظن أن الـ 500 صفحة التي تكونت منها الرواية، بالكاد تغطي ما جاء في الفيلم من أحداث وعلاقات وشخصيات، وسرد متقن، وفلسفة عميقة، تستند إلى فلاسفة فرنسيين معروفين.

وبلا شك، فإن الفيلم ما كان سينجح على المستوى الإنساني، لولا تلك الخلفية التاريخية والسياسية، التي شكلت الخلفية التي تدور فيها الأحداث، متأكدة عليها، ونابعة منها، وهي فترة الحكم الديكتاتوري للبرتغال، زمن الرئيس سالازار، وما نتج عنه من مقاومة، انتهت بثورة عارمة، أطاحت به في 25 أبريل 1974، عُرفت بثورة القرنفل.

والحقيقة أن طبيعة الفيلم، من حيث هو رحلة في المكان والتاريخ والذات الإنسانية، هو ما يوحي للمشاهد أنه كان جزءاً من الحوار الذي دار في الفيلم، فالكثير مما يقال، وما كتبه (أماندو) البطل، متصل بكل نفس ومعبر عنها، لذلك تشعر وأنت تتابع الحوارات والاستجواب الذي قاده أستاذ اللغة (جريجورس)، مع أبطال العمل، وكأنه نابع منه، أو كأنه هو من كان ينطق بكل ذلك.

هناك إشارات عديدة في الفيلم، لا يمكن المرور عليها، كأن يكون قادح الأحداث ومحركها عبارة عن كتاب صغير، عثر عليه في جيب سترة فتاة كانت على وشك الانتحار، لولا تدخُّل الأستاذ الجامعي، والفتاة كانت ستنتحر بسبب ما كان في ذلك الكتاب، الذي يروي فيه أحد شباب المقاومة البرتغالية، فظائع وجرائم قائد الشرطة السرية وقتها، والمعروف بجزار لشبونة، كانت تحاول الهروب من ذلك التاريخ المخزي لجدها، فهي حفيدة ذلك الجزار، دون أن تعلم شيئاً عن ماضيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى