اخبار

مدينة العذاب ،،، محمد سالم

– أسفي عليكِ يا مدينتي … تجود بإيماءة السلام
فيما يشبه الاطمئنان، لطيفة كالملائكة عازمة على الاستمساك بالحياة رغم كلِّ شيءٍ، تمارس الحياة بما يليق بالحياة؛ أين كان يَختبئ هذا الحظ الأسود؟ وهل حقٍّا يُخفي الغد ما هو أسوأ؟! هل كان للمؤامرة تمهيد قديم لم يفطن إليه أحد؟!

– أسفي عليكِ يا مدينتي … ما تزال جريحة تنزف تحت قسوة أفتك امراض الأرض وحشية، وبنيانٍ هلهلَهُ الخراب، و نكبات مزَّقت قلبها تمزيقًا، تعلوها كآبة دائمة، وتتجرَّع دموعا كالعلقم، واجمةً ترنو إلى الظلام الجاثم فوق البيوت والجوامع والمآذن، مُتوقِّعًة بين ساعةٍ وأخرى نذير المحرقة المُعتادة، بوحشية فتحت أبواب الجحيم، فتنهمر عليها حمم الفاشيين، وعبث الشياطين وغضب السلطات الشرعية وغير الشرعية، كأنه تعرك ضحايا؟!

– أسفي عليكِ يا مدينتي … كرهت كلمات التشجيع الجوفاء، وألوانًا التهريج المُبتذَل؛ تقلِّب عينَيها في وجوههم حائرًة، وعلى شفتَيها ابتسامة ساخرة في تهكم يبين ما بين الانفس من المَقت والغضب والفساد؛ فلا تُصدِّقهم ولا تيأس من رحمة الله.

– أسفي عليكِ يا مدينتي … صامتة. لم يبق عندها ما يبتزه الموت والألم؟! ولم يبقَ لها من عزاءٍ، كمن تُرك لدموعه غير المُجدية، فباتت نسيًا منسيٍّا، وسُحب الفتن كغمامة سوداء تحجب النور والدفء عنها حتى الاحتضار. مخلَّفا وراءها حزنًا عميقًا و ألمٍ يقبض على قلب، ويأسًا خانقًا لا يتزحزح، وخيبة متغلغلة لا تؤذن برحيل؟!

– أسفي عليكِ يا مدينتي … ما بال الألم لا يرحم كأنه لا نهاية له؟! ولماذا لا يعرف هذا الألم الفتاك قدره فيتوارى؟! أم أنها تلقى ما هو خليق بها من التردد والصمت و الألآم؟! هل يوقِظُكَ الغدُ من غَفوة الصمت، والانقسام …ام التمثيلية المُفتعلة اعتبرت بابًا من أبواب الجنة، وما تحتَ الرمادِ إلا جمراتُ؟!

– أسفي عليكِ يا مدينتي…قرأت كتاب الأحزان صفحةً في إثر صفحة؛ أدَّت طقوس الآلام مُتلفِّعةٍ برداء الليلِ وكرامات الأولياء، تمضغ اليأس بقلب كأنما تخصَّص للنكبات، وبنيانٍ هلهلَهُ فساد الحكم الأخرسَ والانقسام ، كوارث لا تعدُّ ولا تحصى. وللمحرقة ضحايا لا يُحيط بهم حَصر؟! عدوان كما جاء ذهب، بل ترك خلفه ميراث الدم والخراب.

– أسفي عليكِ يا مدينتي… فالأيام في جريانها السريع تمخَّضت عن حدث لم يكن في الحسبان… ذكرى يوم أسود بكآبته، انهارت فيه آمالها وحلم تبدد، فنفَذ الرصاص الخسيس بصوته الصفيق، الذي باتت تمقُته مَقتًا واحتقار، إلى قلبها فشقَّه شطرَين، رمَوا بجمرات الحقد عليه كمن يرمي في الموقد حطبًا؛ فلم تصدق ما رأت عيناها ولا ما سمِعت آذاننا.

– أسفي عليكِ يا مدينتي … كأبدة الألم المُمضَّ والغضب المُختنق، وكأنه نفطٌ ألُقيَ على قلبها المُلتهِب، فلم تفيق من وقع المُباغَتة ولم تستردَّ إرادتها، فضاقت منهم وبهم …كرهتهم كراهية عميقة مشفوعةً بالازدراء وواظبت على لعنهم كما تحرص على لعْنِ أعدائها والدُّعاء عليهم في الدنيا والآخرة بمثل حرصها على الفرائض من صلاةٍ وصوم وزكاة.

– أسفي عليكِ يا مدينتي…وكأن الحياة ستظلُّ مُذعنةً لمنطقهم أبدَ الدهر؟! فهل ينضب النَّبع؟ ويمنع ما يشتهون؟! إن الدين والأخلاق، الوطن والقضية، الكفاح و الدماء الطاهرة، الشهداء والجرحى والأسرى. وبيت الله الحرام؛ والعرب والعجم وجميع القُوى لم  تستطع أن تحُول وبالأجماع بينهم وبين استمرار ذاك المخطط؟! فيرفضون ذلك رفضًا مُتعجرفًا؟! كيف يُقنعهم أحد؟ أو يحوِّلهم عن رأيهم، فلبِثوا حِيالهم مقهورًين؟!

– أسفي عليكِ يا مدينتي … ليس ثَمة فائدة تُرجى من هؤلاء، يفعلون الشر وهم يعرفون أنه شر؟! ومن يتظاهر بالندم ولكن ويتمادى في ضلاله..!! ومن لا يحمل نفسه مشقَّة التفكير بتاتًا؟! فهل تنجح حوارات ومقالات فيما أخفقت فيه كل هذه القُوى والمقدسات؟! ذاك مخطط صهيوني استثنائي  وفى نفس الوقت هذا كَنزٌ نفيس.. و شيءٌ لا يُستهان به؟! فبدأ  اليأس، شيء كأنما يسير في مجراه الطبيعي، بعض الجهات تدخَّلت في الأمر وأقنعتهم بالعدول عما أجمعوا عليه، وانتهت المسألة باستقالة الشعب؟!

– أسفي عليكِ يا مدينتي… أن استقلالنا الحقيقي هو أن نتحرر من أنفسنا أولا؛
ويا أهل مدينة العذاب…لا تقبلوا بالقبح ، مكافأة على الصبر الجميل، فالحلم  هو العزاء المتبقي لنا، السلام  عليكِ يا مدينة العذاب، في ذكرى يوم الخراب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى