اخبار

هكذا هي الحياة..عبد الغني سلامة

“الحياة غير عادلة”، مقولة شائعة، إذا آمنت بها ستفهم الحياة بشكل عملي، فلا ترفع سقف توقعاتك، حتى لا يخيب أملك منها، وتُصاب بالإحباط.. ونقصد بالحياة تلك القوانين السارية والتي بموجبها تتشكل الحياة بمختلف أشكالها، وعلى كافة المستويات، وتنطبق على الأفراد والمجتمعات والمؤسسات والدول، منذ ظهر البشر على وجه البسيطة، وحتى غيابهم عنها.. وأول تطبيقاتها التي يجب عليك إدراكها أنك إذا كنتَ إنساناً محترماً وطيب القلب فلا يعني ذلك أن المجتمع سيعاملك باحترام، وإذا كنتَ ذكياً ومجتهداً وبذلت قصارى جهدك فلا يعني ذلك بالضرورة أنك ستلاقي التقدير، وستحظى بالنجاح.. وإذا فُصلت من عملك ظلماً وتعسفاً، فلا يعني ذلك أنك ستجد مباشرة وظيفة أحسن..
فالحياة ليست معادلة كيميائية تطبقها في المختبر بقوانين ثابتة ومعروفة، ولا هي فيلم هندي ينتهي بلقاء الأم ابنها الذي ضاع في طفولته.
“الحياة تعطي بقدر ما تأخذ”؛ تعطيك المال وتأخذ منك الصحة.. تعطيك الأهل والأحبة والأصدقاء، فيموت بعضهم.. تعطيك بيتاً وادعاً، فيأتيك جار ينغص عليك.. تعطيك الصحة والجسم الرشيق وتحرمك من متعة التفكير.
تمنحك العبقرية ولكن مع إعاقة جسدية.. تعطيك الفرص والثراء وتحرمك الوقت، أو تعطيك الوقت مع الفقر والملل..
و”الطبيعة أيضاً غير عادلة”؛ قد تضرب كارثة طبيعية قرى جُل سكانها فقراء وأتقياء، وتُبقي على مدن الفسق والفجور.. تتفجر الينابيع والأنهار في بلدان، ويعز المطر في بلدان أخرى، حتى تتصحر.. وتعطي بلداً الماء والخضرة والطقس الحسن، فيأتي زلزال ليسحقها..
و”المجتمعات كذلك غير عادلة”؛ يموت الأطفال في حضون أمهاتهم جوعاً وعطشاً في الدول الفقيرة، بينما يموت آخرون من التخمة في البلدان الثرية.. تعاني دول الجنوب من الجفاف وضنك العيش، فيما تنعم دول الشمال بالخيرات.
و”الإنسان غير عادل”؛ يرفل الأثرياء وأمراء الحروب، وملوك الطوائف بالنعيم، حتى أنهم ينجون من الكوارث البيئية والأزمات الاقتصادية.. بينما يكون الأطفال والفقراء والأبرياء دوماً هم ضحايا الحروب، وضحايا الأزمات الاقتصادية، وضحايا الكوارث.
“الحياة لا تتوقف”؛ تموت الجدة فتبلغ حفيدتها سن الحيض.. يموت الزعيم المحبوب، فيأتي من بعده قادة مجددون.. تنهار الحضارات، فتقوم على أنقاضها حضارات أحدث.. تتفتت الإمبراطورية، لتنشأ منها دول أمنع.. يقضي الشهداء نحبهم لتحيا شعوبهم وتتعمر بلدانهم.. يموت من نحبهم، ونظن أن الحياة ستتوقف من بعدهم، فإذا بهم يتحولون إلى ذكرى طيبة، ثم لا يذكرهم أحد.
“الحياة متجددة”؛ يخرّب المطر أعشاش الطيور، فينجو بعضها ويتزاوج.. تتعرى الدالية في أول الشتاء، ثم تمنحنا في الربيع أطرى أوراقها لنعد منها أشهى الأكلات.. تطلق البراكين حممها الملتهبة، فتبرد وتغدو أرضاً خصبة.. تحترق الغابات لتنبت من أجران الأشجار المتفحمة أشجارٌ جديدة.. بعد الطوفان الكبير بدأت الحياة انطلاقتها الثانية.. على المستوى الإنساني: تودع أحبة على سفر، ثم تستقبلهم بعد غياب، في جانب تنشب حروب أهلية، وفي جانب آخر تقام بطولات كأس العالم والأولمبياد ومسابقات المواهب وملكات الجمال.
“الحياة تخلق التوازن، أو تحاول ذلك”؛ يزداد التعداد السكاني، فيزداد الاستهلاك، ويتوسع سوق العمل، وتكثر الفرص.. يتزوج الشبان، فتبيع لهم المصانع والمتاجر ما يحتاجونه لبيوتهم الجديدة، في كل سنة يتخرج آلاف الطلبة، وتظهر مخترعات جديدة، وصرعات جديدة وأفكار جديدة.  
تخيل مجتمعاً ليس فيه أوبئة، ولا يُصاب أفراده بالأمراض، ويخلو من المجرمين والنصابين، وليس فيه مشاكل ولا تعديات ولا حوادث طرق ولا كوارث ولا تلوث.. بماذا سيشتغل الأطباء والصيادلة والمحامون والقضاة ورجال الأمن وشركات التأمين ورجال الدين وأصحاب الكراجات والمؤسسات الحقوقية والاجتماعية، والخدمات المرتبطة بهم؟ وكيف “سيلقّطون” أرزاقهم؟ ألم يصدق المثل الشعبي حين قال: “رزق الهِبل عالمجانين”!
“الحياة متنوعة”؛ الناس مختلفون في أذواقهم، فيجد كل مغنٍ، وكل مصمم أزياء، وكل فنان، وكل كاتب، وكل مخترع، وكل مجنون وعبقري سوقاً له يروج فيه بضاعته.
“الحياة جميلة وممتعة”؛ فيها طبيعة خلابة، وسماء صافية، ومدن مزدهرة، ورحلات، وسفر، وبيوت آمنة، وحب، وعائلة، وأمهات، وشقيقات، وأكلات شهية، وقبلات أشهى، وموسيقى، وفن، ورياضة، وسينما، وكتب، وأصدقاء، وسهر، وعمل، ونجاح، ولقاء.
“الحياة صعبة”؛ مشاكل، وتحديات، وأزمات، وعراقيل، وغلاء أسعار، ومتطلبات لا تنتهي.. تبدأ مشاكلك منذ الصباح، تتأخر عن عملك لأنك لم تجد فردة الجرابات، أو لأن المياه الساخنة انقطعت أثناء الاستحمام، أو لأن القهوة اندلقت على قميصك، أو بسبب أزمة المرور.. في العمل ستواجه مديراً سخيفاً ومتعسفاً ولكنك مجبر على مسايرته، وزميل لا يكف عن التذمر، وآخر لا يتوقف عن التآمر عليك.. قد يفشل مشروعك لسبب ما، أو تتعثر عن سداد القرض، أو لا تجد المواد اللازمة، حتى لو كنت ثرياً قد تخسر أسهمك في البورصة، وقد تتعرض لإصابة عمل، أو حادث سير، وقد تسمع خبراً مؤسفاً، أو يرميك أحدهم بتعليق جارح، أو يزورك ضيف ثقيل، أو تأتيك مناسبة غالية وليس في جيبك ما يكفي لشراء هدية، ثم تنفد جرة الغاز ومسحوق الغسيل وتنكة الزيت ورصيد الجوال دفعة واحدة، وفوقها يتعرض ابنك لوعكة صحية، ولم يمضِ سوى أسبوع على استلامك الراتب.
رغم كل تلك الصعاب إلا أن الحياة تمشي بلا توقف، معك ودونك، برضاك وغصباً عنك.. كل ما عليك أن تتكيف مع قوانينها.. حتى لو لم تعجبك.. حاول أن تغير نفسك وطريقة تفكيرك قبل أن تسعى لتغيير المحيط، صوب سلوكك قبل أن تصوب العالم.  
“الحياة لا تهب السعادة المطلقة، ولا الحزن الدائم”؛ أصلاً دماغك مبرمج على ذلك، فليس بوسعه الاستمرار بالفرح والضحك والشعور بالسعادة الغامرة لفترة طويلة، وليس بوسعه البقاء في الأحزان طيلة الوقت، الدماغ مبرمج على أن يجعلك متوازناً.. ابحث عن الرضا وليس عن السعادة، دع الأحزان تطهّر داخلك وتنقِّ سريرتك، حوّل الصعوبة إلى تحدٍ، واجعل من كل مصيبة فرصة، واقتنص كل لحظة فرح.  
تذكّر أنك فزت في أول تنافس في الحياة، حين سبقتَ ملايين الحيوانات المنوية ووصلت وحدك إلى تلك البويضة، لتظهر حضرتك إلى هذا الكوكب.. وتذكر أن هذا الكوكب ربما يكون الوحيد من بين مليارات الكواكب الذي تتوفر فيه فرص الحياة وشروطها.. ما يعني أنك ذو حظ عظيم.. وترفل في نِعمٍ كثيرة.
فاحمد الله على كرمه، ولأنه لم يخلقك خفاشاً تنام معلقاً من رجليك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى