اخبار

حرب أكتوبر 1973.. هل من تواطؤ فيها بين مصر وأميركا وإسرائيل؟

في كل ذكرى لحرب السادس من أكتوبر 1973 أو العاشر من رمضان في تسميتها العربية الثانية، أو يوم الغفران في التسمية الإسرائيلية؛ يفتح الإسرائيليون ملفاتهم عنها، ويكتبون المقالات، ويجرون المقابلات مع من عاشوا أحداثها من قرب. ويتقيدون في استعادة ذكراها بالتاريخ العبري، وفعلوا هذا العام نفس الشيء في ذكراها الخمسين. وفي كل ذكرى تتنوع الآراء في شأنها، وتظهر بعض أسرارها وحقائقها. وفي ما يكتب عنها تبرز قضيتان كبريان، أولاهما:
هل فوجئت إسرائيل بالهجوم المصري السوري عصر ذلك اليوم (السبت)؟ وثانيتهما _ وهي أقل تداولا بكثير _ : هل كانت الحرب مسرحية بين مصر وإسرائيل وأميركا ؟ القضيتان تتداخلان جوهرا ؛ إذا كانت مسرحية فطبيعي ألا تفاجأ بها إسرائيل . وتخصنا الآن القضية لثانية، أي: هل كانت الحرب مسرحية دبرها الأطراف الثلاثة (مصر وإسرائيل وأميركا)؟ وتركيزنا على القضية الثانية تخصيصا ما ادعاه الفيلم الوثائقي ” من قتل أبانا ؟ ” الذي بثته قناة تلفزيونية إسرائيلية منذ 23 عاما ، وتؤكد مادته فكرة التواطؤ على الحرب. وحسب علمي كان الرئيس حافظ الأسد أول من ذكر التواطؤ في تلك الحرب، وقال إنه بين مصر وأميركا ، ولم يذكر إسرائيل طرفا فيه ، واعتبره خيانة من السادات لسوريا ؛ لأنه جعلها تشارك في حرب لها هدف غير الهدف المتفق عليه بينه وبين السادات.
وإنه لمن المهم جدا معرفة الأساس الذي بنى عليه الأسد قناعته تلك التي كان لها أثرها في التباعد بين سوريا ومصر بعد تلك الحرب، وتعززت بالصلح المنفرد الذي أقامه السادات مع إسرائيل؛ إذ رأى الأسد أن ذلك الصلح هو الهدف الحقيقي للحرب. والحقيقة أن هذه القضية تطرح من التساؤلات أوسع مما تبسط مجالا للاقتناع . ومن التساؤلات الناجمة منها:

 1: ألم توجد  وسيلة أخرى  للصلح سوى تلك الحرب التي أصابت مصر وإسرائيل _ ولا نذكر سوريا _ بخسائر واسعة في النفوس والمعدات ؟
 2: هل التواطؤ كان محصورا في مصر وأميركا مثلما قال الأسد أم أن إسرائيل كانت طرفه الثالث مثلما يبين الفيلم “من قتل أبانا؟”. حين ذكر الأسد طرفين فقط كان التساؤل: هل يعقل أن تعرض أميركا إسرائيل إلى زلزال تلك الحرب؟
3: إذا كانت إسرائيل طرفا في التواطؤ السري ؛ فعلى أي مستوى كان اشتراكها؟ الساسة أم العسكر أم الاستخبارات ؟
أم كل هؤلاء الثلاثة؟ نقف عند الساسة : جولدا مائير رئيسة الوزراء يومئذ قالت قبل الحرب بأيام إن مصر تتهيأ للهجوم على القوات الإسرائيلية ، وحذرت من طول ذراع إسرائيل عسكريا . وفي تلك الأيام خرجت “الأهرام” بمانشيت يقول: “إسرائيل تتوقع عملية عسكرية مصرية”، فإذا كان أكبر رأس سياسي يحذر من الهجوم فكيف يتواطأ عليه سرا؟ أم أن التحذير إسراف في التمويه والتضليل؟ وفي شأن العسكر : كانت صدمتهم مميتة من العبور المصري للقناة والذي كان نجاحا كبيرا بأعلى الموازين العسكرية . في ليلة واحدة استطاعت القوات المصرية إقامة جسر عسكري من 50 ألف جندي شرقي القناة رغم الهجوم الجوي الإسرائيلي المتواصل على القوات العابرة ، وفصلت القيادة العسكرية الإسرائيلية جونين قائد جبهة سيناء لانهياره العصبي، وتوالت استعانة القيادة الإسرائيلية بقدامى جنرالاتها لصد كارثة الهزيمة الموشكة ، وأصدر ديان أمرا بالانسحاب من سيناء يأسا من الصمود فيها ولمواجهة القوات السورية التي توغلت في الجولان ، وصرف النظر
بعد ذلك عن تنفيذ الانسحاب . ومن أقوال ديان (وزير الدفاع ) يومئذ إن الهيكل الثالث قد سقط. ويذكر أوري ميلشتاين المؤرخ الإسرائيلي المشارك في مادة الفيلم أن ديان أخبر رؤساء تحرير الصحف الإسرائيلية أنه سيعلن للشعب الإسرائيلي هزيمة إسرائيل ولم تحل دون إعلانه إلا جولدا مائير بناء على استغاثة رؤساء التحرير بها الذين كانوا يعرفون بطبيعة مهنتهم عنف صدمة معنويات الإسرائيليين  لو فاجأه ديان بالهزيمة . وفي ظل الصورة السابقة لتدهور موقف إسرائيل عسكريا في أيام الحرب الأولى نسأل: كيف ترضى أي جهة مسئولة فيها بدفع الدولة إلى شفا هزيمة كان من الممكن أن تكون قاضية على وجودها لولا التدخل العسكري الأميركي والغربي في القتال .
كانت الدبابات والأسلحة الأميركية تصل ميدان القتال مباشرة دعما للجيش الإسرائيلي وتثبيتا له ، ولولا تدخل طيارين غربيين في القتال الجوي ما كان ممكنا الحد من فاعلية الدفاع الجوي المصري ضد الطيران الإسرائيلي ؛ ففي بدء القتال فوجيء الإسرائيليون بالصواريخ المصرية الروسية الصنع تسقط طائراتهم اعتمادا على تتبع الصاروخ للحرارة المنبعثة من محرك الطائرة، ثم حدث تحول غريب في القتال الجوي حين ظهرت في الجانب الإسرائيلي طائرات تراوغ الصواريخ المصرية إلى أن ينفد وقود تلك الصواريخ وتسقط، وفسر التحول بمشاركة طيارين غربيين مدربين على تلك المهارة التي كان الطيارون الإسرائيليون يفتقدونها، وأشير يومئذ إلى طيارين من كندا وحتى من جنوب أفريقيا زمن النظام العنصري الموثق العلاقة بإسرائيل.
4: إذا كانت الحرب مسرحية للدخول في مصالحة بين إسرائيل ومصر فلم قطعت تلك المصالحة ست سنوات بعد الحرب؟
فقد وقعت اتفاقيتها في 1979 بعد سنتين من زيارة السادات لإسرائيل في 1977. الوجيه عقلا أن تقطع المصالحة زمنا أقصر مادام الجانبان راغبين فيها رغبة دفعتهما إلى حرب دامية مصيرية . تساؤلات متعددة توقظها قضية التواطؤ ولا حسم لها إلا بمعلومات من جهات توثق ما تكشفه بأدلة مقنعة لا ترد.
                                    ***
حين علم الناس في غزة بالحرب، وعبور القوات المصرية القناة؛ ما كان لفرحهم وفخرهم حدود، وتوقعوا تحريرها سيناء، ووصولها إلى غزة، وأعد بعضهم الخراف لذبحها لها . وظهر تبدل في سلوك الجنود الإسرائيليين في غزة نحو الناس بعد تلك الحرب. صاروا ينظرون لهم باحترام مبتعدين عن صلفهم وغرورهم اللذين اتصفت بهما نظرة الإسرائيليين لكل العرب بعد الانتصار السهل السريع عليهم في حرب 1973. المثل الفلسطيني يقول: “اضرب صاحبك يعدك!”، أي يحترمك ويحسب لك حسابا، و”الصاحب” هنا أي شخص، وعبر عنه ب “الصاحب” من باب المبالغة لبيان أنه حتى الصاحب يلزم أحيانا أن نشعره بأهبة  قوتنا وهيبة بأسنا لردعه  ووزْعِه، فما حالنا مع العدو؟!
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى