اخبار

استخدام الذخائر العنقودية يكشف زيف مبادئ النظام الدولي الراهن ؟ – عين الوطن


د. عبدالمجيد الجلاَّل
حين تغيب المعايير الأخلاقية والإنسانية عن السياسات الدولية الراهنة ، تغيب معها الكثير من المبادئ والقِيم التي يُفترض أن تحكم الدول والمجتمعات الإنسانية !
في مسألة تصنيع وتخزين واستخدام الذخائر العنقودية ، تبدو ازدواجية المعايير ، واضحة جلية ، لدى الولايات المتحدة ، فهي من جهة ، تُدافع بشدة عن حقوق الإنسان ، ولكنها ، في الوقت نفسه ، تقتل المدنيين ، خاصة الأطفال منهم ، عبر الإذن باستخدام هذه الذخائر , ويشترك معها في هذه الجرائم الإرهابية دول أخرى !
في عام 2008 تمَّ التوقيع على معاهدة حظر إنتاج وتخزين وتصدير الذخائر العنقودية ، وقد وقعت نحو 110 من دول العالم على هذه المُعاهدة ، كما وقعت 13 دولة أخرى عليها ، لكنها لم تصدق عليها ، ما يعني عدم الالتزام بتنفيذها.
ومن المفارقات العجيبة ، أنَّ العديد من الدول الفاعلة ، لم توقع على بنود هذه المُعاهدة ، ومنها ، روسيا ، والولايات المتحدة ، والصين ، والهند وباكستان ، وأوكرانيا.
على كل حالٍ ، تحتوي كل قنبلة عنقودية ، على مئات القنابل الصغيرة ، تنتشر في مناطق واسعة ، ما يجعلها تتسبب ليس في مقتل الجنود فحسب ، وإنما كذلك في مقتل المدنيين ، خاصة الأطفال ، إذ ، أنَّ القنابل الصغيرة الناتجة عن القنبلة الأم ، قابلة للانفجار في أي وقت ، حتى بعد مرور أعوام عديدة ، فهي تعمل بطريقة كارثية مماثلة للألغام الأرضية ، وتجعل المناطق المتضررة غير صالحة للسكن في بعض الأحيان ، وفي نتائج إحصائية ، لا ينفجر منها عند الارتطام سوى 40 % ، في حين تظل القنابل الأخرى قابلة للانفجار في أية لحظة .
وبالرغم من تطبيق معاهدة منع الذخائر العنقودية، فقد ارتفع عدد ضحاياها بشكل كبير ، لا سيما في السنوات الأخيرة ، وتمَّ تسجيل نصف الضحايا في سورية ، بعد التدخل الروسي الوحشي ، كما تمَّ استخدامها ، من قبل روسيا ، في أوكرانيا على نطاق واسع ، وكذلك من قبل القوات الأوكرانية ، وقُتل وجُرح عدد كبير من المدنيين ، وقبل ذلك ، اُستخدمت في الحرب العالمية الثانية ، وفي حرب فيتنام ، عندما أطلقت الولايات المتحدة نحو 260 مليون قنبلة صغيرة ، مُخلفةً دمارا وتلوثاً كبيرين.
للمعلومية ، كانت الولايات المتحدة ، قد قررت مؤخراً ، تزويد أوكرانيا بذخائر عنقودية للمرة الأولى منذ الغزو الروسي، في إطار حزمة مساعدات أمنية جديدة بقيمة800 مليون دولار ترفع إجمالي المساعدات العسكرية الأمريكية إلى أكثر من 40 مليار دولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 ، وقد استبقت الولايات المتحدة ، الانتقادات الموجهة إليها ، باتهام روسيا بأنَّها قد استخدمت بالفعل الذخائر العنقودية في ساحتي سورية وأوكرانيا !
ويقول المدير التنفيذي لمنظمة الحد من الأسلحة الأمريكية غير الحكومية: سيصبح الأمر أكثر تصعيدا ، وتكون له نتائج عكسية ، ولن يؤدي إلا إلى زيادة الأخطار على المدنيين المحاصرين في مناطق القتال أو الذين سيعودون يوما ما إلى مدنهم ومزارعهم ” !
خلاصة القول : صارت ازدواجية المعايير ، والكيل بمكيالين ، وربما أكثر ، جزءاً من سياسات النظام الدولي الراهن ، وصارت المصالح الأمريكية والروسية ، تتحكم في كل مفاصله ، ومن ثمَّ ، سيظل أداة هدمٍ ، للكثير من قِيم العدالة ، ومبادئ الإنسان الأساسية !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى