اخبار

د. ميخائيل ميلشتاين يكتب في يديعوت احرونوت : وقت الصحوة…

الكاتب رئيس وحدة الدراسات الفلسطينية في جامعة تل أبيب، وباحث كبير في جامعة رايخمان.

 

(المضمون: تقف إسرائيل امام بدائل سيئة ويتعين عليها أن تختار الأقل سوء. صحيح أن هذا سيكون مفعما بالمشاكل، لكنه يبقى افضل من شعارات المعركة التي يغيب عنها بُعد زمني في نهايتها انتصار مؤكد او أوهام حول شركاء يغيرون الواقع ووعي الفلسطينيين من الأساس – المصدر).

في ذروة الشهر السادس للحرب، نشأ في قطاع غزة ثلاثة وقائع توجد في حالة تداخل: مناطق ضيقة تسيطر عليها إسرائيل بشكل كامل ودائم، واساسا في المنطقة التي تفصل القطاع الى قسمين ومجال الحدود؛ مناطق لا تزال حماس سائدة فيها، واساسا في جنوب القطاع؛ وكذا “مناطق صمت” بلون رمزي وان كان الجيش الإسرائيلي عمل فيها لكنه اخلاها، وبالتالي نشأت “جيوب سيطرة” لحماس، الى جانب عصابات محلية وعشائر مسلحة – في مدينة غزة أساسا. هذا وضع لا يسمح بإقامة “نظام جديد”. الفوضى في داخل القطاع ازدادت بالتدريج ومعها أيضا الضائقة المدنية، وهذه تجلب أساس الاهتمام الدولي، وتترافق بطرح علامات استفهام متزايدة حول قدرة إسرائيل على خلق واقع جديد في غزة وتلبية مطالب السكان. هذه هي الخلفية للدفع قدما بحملات كبرى لانزال المساعدات المدنية وبناء رصيف الامر الذي يعبر عن شكوك متزايدة تجاه إسرائيل.

الحرج يؤدي الى بوادر صحوة في إسرائيل: التخلي عن نظريات طرحت حول نوع النظام وهوية العنوان السلطوي “في اليوم التالي”. ناهيك عن ان ذاك اليوم إياه لم يظهر بعد في الأفق في ضوء استمرار سيطرة حماس في مناطق وفي أوساط جماهير غير قليلة في غزة. درة التاج لتلك الصحوة كانت لقاء رئيس هيئة الامن القومي تساحي هنغبي برئيس المخابرات الفلسطينية العامة، ماجد فرج، احد الشخصيات القوية في السلطة، والذي بحثت فيه حسب ما علم إمكانية أن يكون رئيس الجهاز مسؤولين عن تلقي وتوزيع المساعدات المدنية في غزة بل وفرض النظام العام في قسم من القطاع. والى هذا اضيف شقاق بين وزير الدفاع ووزراء الليكود في يوم الجمعة الماضي عندما طرح الأول العمل على حوار مع محافل محلية من فتح في غزة، وهوجم بزعم انه يسعى عمليا الى ادراج السلطة الفلسطينية في مخططات اليوم التالي.

تأتي الصحوة ضمن أمور أخرى في ضوء خبو فكرة حكم العشائر التي حاولت إسرائيل دفعها قدما في غزة مؤخرا. فقد رفض رؤساء العشائر علنا التعاون مع إسرائيل، ضمن أمور أخرى، في اعقاب تهديدات حادة من جانب حماس، وفي ضوء حقيقة أن إسرائيل لا تتواجد على الأرض على نحو دائم، بشكل يمكنه أن يبث فيهم الثقة. وحتى قبل ذلك كان واجبا التساؤل في جدوى التعاون مع جهات مهزوزة بدا كنسخ للتجربة المريرة المتمثلة بالتعاون مع الكتائب في لبنان.

في السياق إياه كان يفترض إثارة علامات استفهام على أفكار أخرى تطرح في الأشهر الأخيرة، وعلى رأسها: انتشار قوات عربية أو دولية تقوم بدلا من إسرائيل “بالعمل الأسود” (لا يبدو دافع لدى أي جهة في العالم في هذا الشأن)، او الاعتماد على رجال اعمال وعناصر فتح غزيين غير متماثلين مع السلطة ويمكنهم ان يكونوا بديلا سلطويا فاعلا.

لقد مر ما يكفي من الوقت كي تلقي إسرائيل نظرة مباشرة الى المرآة وتفهم ما هو قابل للتطبيق وما هو غير قابل لذلك في سياق غزة. أولا، من المهم الاستيعاب بانه لا يمكن خلق نظام جديد او تقويض القدرات العسكرية والحكومية لحماس دون السيطرة الفعلية على كل ارض القطاع. ثانيا، وان كان حيويا التفكير في مشاركة السلطة الفلسطينية في غزة لكن الاعتراف بانها مؤخرا تعاني من صورة جماهيرية متردية لا توجد اليوم قدرات لانفاذ الامرة على المنطقة. بدلا من هذا كان من الأفضل المساعدة على إقامة إدارة مدنية فلسطينية على أساس قوى محلية، وعلى رأسها فتح وفي اتصال مباشر بالسلطة، بالتوازي مع استمرار المسؤولية الإسرائيلية في المستوى الأمني، في السنوات القريبة القادمة على الأقل.

تقف إسرائيل امام بدائل سيئة ويتعين عليها أن تختار الأقل سوء. صحيح أن هذا سيكون مفعما بالمشاكل، لكنه يبقى افضل من شعارات المعركة التي يغيب عنها بُعد زمني في نهايتها انتصار مؤكد او أوهام حول شركاء يغيرون الواقع ووعي الفلسطينيين من الأساس.

لا يجب المساومة على المصالح القومية الحيوية، لكن مطلوب منها أن نكون مستعدين لرحلة تاريخية طويلة ومضنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى