اخبار الإمارات

الجانب السلبي للاستهلاك الأوروبي الأخضر

ت + ت الحجم الطبيعي

النشطاء مزعجون أكثر من المزارعين المؤمنين بالحمائية التجارية

 

في الأسبوع الماضي، خرجت قاعدتان تنظيميتان جديدتان من خط إنتاج التشريعات في البرلمان الأوروبي: قانون العناية الواجبة، الذي يجعل الشركات مسؤولة قانوناً عن الانتهاكات البيئية وذات الصلة بحقوق الإنسان في سلاسل التوريد التي تتعامل معها، والقانون الثاني خاص بإعادة تدوير التغليف البلاستيكي.

ربما تكافح أوروبا لتحقيق نمو اقتصادي طويل الأجل، لكن إنتاجيتها من الناحية التنظيمية غير مسبوقة، فقد وضعت بروكسل أيضاً قاعدة تنظيمية تختص بإزالة الغابات، تهدف لحظر بيع السلع المزروعة في الأراضي التي تم تجريفها مؤخراً، إلى جانب آلية تعديل ضريبة الكربون الحدودية التي تجبر المصدرين الأجانب على احترام نظام تسعير الانبعاثات الأوروبي، وتعمل على قانون لحظر المنتجات التي صنعتها العمالة القسرية.

ويمكنك أن تضيف إلى ذلك القواعد الصارمة المتعلقة بالأغذية والزراعة في الاتحاد الأوروبي، ومتطلبات التعبئة والتغليف، والملصقات التي يتم تعقيدها بشكل متزايد، واللوائح الصارمة المتعلقة بالبيانات الشخصية والذكاء الاصطناعي. وخصص تقرير الولايات المتحدة السنوي حول الحواجز التجارية، 32 صفحة لسرد أسباب الانزعاج من الاتحاد الأوروبي، لتتفوق الكتلة بذلك على الجميع باستثناء الصين.

وعادة ما تشجب أمريكا وغيرها من المصدرين الزراعيين المحبطين، مثل أستراليا، ونيوزيلاندا، مثل هذه القواعد، واصفين إياها بأنها حمائية مدفوعة بمصالح المنتجين الأوروبيين. ومن بين هذه القواعد، تلك المفروضة على الكائنات المعدلة وراثياً لفول الصويا والذرة، وهرمونات النمو للأبقار، والغسول الكيميائي للحوم الدواجن. وقالت دول منخفضة ومتوسطة الدخل أيضاً، إن الأحكام والمعايير المتعلقة بالعمل والبيئة في اتفاقيات التجارة التفضيلية للاتحاد الأوروبي، إنما هي حمائية مقنعة.

لكن، وكما كشفت العقود الماضية، يبدو أن تفضيلات الجماهير الأوروبية، خاصة المتعلقة بالغذاء والبيئة، هي المحرك الرئيس لقواعد الاتحاد الأوروبي الأكثر صرامة، والتي كثيراً ما تلقى معارضة من الشركات والمزارعين الأوروبيين. وقد تم تخفيف حدة قانون العناية الواجبة الصادر الأسبوع الماضي، بعد معارضة شديدة من شركات متعددة الجنسيات، خاصة من ألمانيا. ويعارض كثير من المزارعين، أو على الأقل كبار المنتجين الذين تمثلهم رابطة المزارعين في الاتحاد الأوروبي «كوبا كوغيكا»، القيود على التقنيات الزراعية.

وصوت البرلمان الأوروبي أخيراً، على تخفيف قواعد تحرير الجينوم، الذي يتضمن تعديل الحمض النووي للمحاصيل، دون الاستعانة بجينات جديدة من أجناس أخرى، لكن نشطاء البيئة قاوموا هذه الخطوة، وكذلك صغار المزارعين العضويين الذين تدعمهم «كوبا كوغيكا» بشدة. ويحاول المزارعون، التصدي لموجة مقبلة من اللوائح التنظيمية البيئية والغذائية.

واستفاق الشركاء التجاريون تدريجياً، على الديناميكية السياسية الحقيقية، فبعد «حروب الكائنات المعدلة» في تسعينيات القرن الماضي وأوائل الألفية، تم استبعاد الأغذية الأمريكية المعدلة وراثياً من السوق، والتنديد بها، بوصفها «فرانكنفود» (مشتقة من فرانكنشتين وغذاء)، وهنا بدأ المزارعون الأمريكيون يستوعبون أن مقاومة المستهلك الأوروبي كانت العامل الأساسي في ذلك، وليس لأن المزارعين الأوروبيين رافضون للتغيير.

لكن ما زالت بعض اللوائح الأكثر حداثة، مثل تلك الخاصة بإزالة الغابات، مستمرة في اجتذاب اتهامات بتقديم الحمائية للمنتجين على الطراز القديم، وهي اتهامات أطلقها المزارعون الذين ينتجون زيت النخيل في إندونيسيا وماليزيا، ويجب عليهم حالياً الاضطلاع بالمهمة الشاقة لتوثيق منتجاتهم، باعتبارها منتجة على أساس مستدام. وبالفعل، استفاد منتجو البذور الزيتية الأوروبيون من هذا التوجيه الصادر في 2018، والذي حظر الوقود الحيوي المصنوع من زيت النخيل من دخول الاتحاد الأوروبي.

وحصلت ماليزيا مؤخراً، على حكم من منظمة التجارة العالمية بسبب هذه القواعد، وانتقدت المنظمة بعض توجهات الاتحاد الأوروبي. لكن اللوائح التنظيمية بشأن إزالة الغابات، تشمل أيضاً مزارعي القهوة والكاكاو، اللذين يزرعان بالكاد في الاتحاد الأوروبي. إذن فالرأي العام، أو على الأقل آراء النشطاء، هي المصدر الرئيس للتأثير في هذا التشريع.

بشكل عام، فمن شبه المؤكد، أنه من الأفضل، خاصة من زاوية الشرعية السياسية، أن تستنير السياسات التجارية بالمصلحة العامة الأوسع، بدلاً من ضغوط المنتجين فقط. ولكن المشكلة تكمن فيما دعاه باسكال لامي المفوض التجاري الأسبق للاتحاد الأوروبي، بـ «التفضيلات الجماعية»، التي تعكس فهماً ضعيفاً للمقايضات، وتخلق تأثيرات ضارة غير مقصودة، خاصة عندما يبالغ النشطاء البيئيون في حملاتهم ويشوهون القضايا.

وتعني تكلفة وصعوبة الامتثال إلى اللوائح التنظيمية الخاصة بإزالة الغابات، على سبيل المثال، أنه من المرجح أن تحل مزارع زيت النخيل الكبيرة محل المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة في التصدير إلى سوق الاتحاد الأوروبي المربح. وتوجد لدى المملكة المتحدة لوائح تنظيمية رسمية أضعف بشأن إزالة الغابات، مقارنة بالاتحاد الأوروبي، لكن مجموعة عمل تطوعية أدخلت فكرة التناسب إلى البلاد قبل أعوام قليلة.

وفي 2016، حظرت سلسلة متاجر السوبر ماركت البريطانية «آيسلاند»، بالعمل جنباً إلى جنب مع مجموعة «غرين بيس»، لمنع زيت النخيل من كافة المواد الغذائية التي تحمل علامتها التجارية، وهو نهج جذري، يدعمه عدد قليل من خبراء البيئة والتنمية.

الاتحاد الأوروبي لا يفرض إلا قيوداً قليلة على القواعد التنظيمية الخاطئة أو غير المتناسبة التي تؤثر في التجارة. وهناك ميل لديه بتجاهل العلوم غير المريحة فيما يتعلق بالسلامة الغذائية والتنظيمات المراعية للبيئة، والتي أسفرت عن إصدار منظمة التجارة العالمية أحكاماً ضده سابقاً، ولديه ميل إلى إزالة المخاطر عن التقنيات الجديدة، بدلاً من الموازنة بين المخاطر والمكافآت. وبالنسبة للمشكلات مثل زيت النخيل، فالاتحاد الأوروبي لا يهتم كثيراً بتداعيات قواعده التنظيمية على التنمية والنمو، إضافة إلى الآثار البيئية الناجمة عن إنتاج زيوت نباتية أخرى.

تُعد الجماهير الأوروبية ومعنويات المستهلكين، أو على الأقل تأثير النشطاء، هي القوى الأبرز في تحديد أجزاء كبيرة من السياسة التجارية للاتحاد الأوروبي، وبالتالي، القواعد التنظيمية العالمية. ربما تكون قوة من أجل الخير، لكن مطالباتها التعسفية في بعض الأحيان والأعباء التنظيمية التي تأتي بنتائج عكسية، يمكن أن تتسبب في أضرار جسيمة.

تابعوا البيان الاقتصادي عبر غوغل نيوز
تابعوا البيان الاقتصادي عبر غوغل نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى