اخبار الإمارات

طالبو لجوء في أوروبا يموتون ويدفنون دون أن يتعرف إليهم أهلوهم

العديد من المهاجرين من الشرق الأوسط لأوروبا يتجمدون حتى الموت في الغابات، أو يغرقون في الأنهار، ولا يتم التعرف إلى أكثر الذين ماتوا على طريق البلقان، ويبحث الأقارب عنهم بيأس، بل إن بعضهم يضطر إلى دفع رشى للوصول إلى المشارح، حيث من المحتمل أن توجد جثثهم.

علم حسام بيبرس، مساء يوم 24 سبتمبر الماضي، أن طالبَي لجوء سوريَين، من الذين كانوا يرافقون ابنه ماجد، البالغ من العمر 27 عاماً، تركاه وراءهما وحيداً في الغابة، في مكان ما في بلغاريا، خلال رحلة لجوئهم إلى أوروبا. شعر بيبرس كأن العالم ينهار من حوله. وفي غضون ساعات، تمكن من العثور على اسم المهرّب الذي يبدو أن ماجد دفع له 7000 يورو. أخبره الرجل بألّا يقلق، قائلاً له إنه ترك ابنه في الغابة بالقرب من البحيرة، وإن ماجد لم يعد قادراً على المشي بسبب آلام شديدة في المعدة. لكن، كما أشار المهرب إلى أن الطريق الرئيس التالي كان على بعد كيلومتر واحد فقط.

نشر بيبرس صورة ماجد على مجموعات «فيس بوك» و«واتس أب»، ثم كلّف محامياً بالاستفسار لدى مخيمات اللاجئين والسجون التركية. فربما تمت إعادة ماجد من قبل حرس الحدود. يقول بيبرس إنه لم يكن ينام كثيراً خلال تلك الأسابيع. وبعد 22 يوماً من المكالمات، قرر بيبرس السفر إلى بلغاريا بنفسه.

يبلغ طول طريق البلقان آلاف الكيلومترات. في صيف عام 2015، عندما رحب الألمان بالوافدين الجدد بأذرع مفتوحة، كان الطريق الذي يمر عبر جنوب شرق أوروبا واضحاً إلى حد ما. وجاء معظم طالبي اللجوء في ذلك الوقت إلى اليونان وصربيا عبر تركيا، ومن بودابست، سافروا إلى ميونيخ بالقطار.

قسوة حرس الحدود

ولكن في السنوات التي تلت ذلك، أقام الاتحاد الأوروبي الأسوار وبنى الجدران. وعندما يقوم حرس الحدود بإلقاء القبض على المهاجرين، فإنهم غالباً ما يعيدونهم إلى الجانب الآخر من الحدود. لقد أدى استخدام القوة والمنشآت الحدودية إلى تغيير طريق البلقان. إنه يشبه الآن نظاماً معقداً من المسارات السرية. ويقضي العديد من طالبي اللجوء شهوراً، أو حتى سنوات، في محاولة التنقل من خلاله.

بالنسبة لكثيرين، يبدأ الطريق الآن غالباً من بلغاريا، حيث يحرص طالبو اللجوء على تجنب حرس الحدود اليوناني، المعروف بقسوته بشكل خاص. ومن هناك يمرون عبر صربيا أو البوسنة والهرسك إلى كرواتيا. وشهراً بعد شهر، يتم حظر بعض المسارات، بينما يتم فتح مسارات جديدة. ويبدو أن الطريق يطول بشكل مستمر، ويصبح أكثر خطورة.

ولا توجد أرقام دقيقة متاحة لعدد المهاجرين الذين يموتون على طريق البلقان، ومع ذلك، هناك كثير مما يشير إلى أن عدد الذين فقدوا أرواحهم هذا العام أكبر من السنوات السابقة. وقد سجلت ست مشارح مختارة على طول الطريق 92 مهاجراً ميتاً هذا العام، وهو عدد أكبر بكثير مما كان عليه في السنوات السابقة.

ويموت اللاجئون في الغابات النائية، أو يغرقون في أنهار، أو يتجمدون حتى الموت في العواصف الثلجية، ولكن ليس من المؤكد أن أشخاصاً مثل بيبرس يستطيعون بسهولة العثور على أحبائهم ودفنهم بكرامة.

محنة لا تنتهي بالوفاة

ويظهر البحث أن المحنة التي يواجهها طالبو اللجوء على الحدود الأوروبية تستمر حتى بعد وفاتهم، ولا تبذل دول مثل بلغاريا أو صربيا أو البوسنة والهرسك سوى القليل من الجهد للتعرف إلى هوية الموتى. ولا توجد قاعدة بيانات ولا بوابة مركزية، حيث يمكن للأقارب البحث عنهم. وتتحلل جثث الموتى في الحقول، وتمتلئ المشارح بجثامينهم، ويُدفنون في قبور مجهولة، أحياناً خلال أيام قليلة.

الآباء، مثل حسام بيبرس، لا يعرفون في كثير من الأحيان البلد الذي مات فيه أقاربهم. وتبحث مئات العائلات عن أحبائها في مجموعات الدردشة، وتواجه جداراً من البيروقراطية، وعدم الاهتمام والعنصرية الصريحة. ولكن هناك أشخاصاً يساعدونهم رغم أنهم ليسوا مضطرين إلى ذلك ــ وبالتالي يسدون الثغرات التي خلفتها السلطات الأوروبية.

حسام بيبرس من مدينة حلب شمال سورية، كان يدير شركة سجاد في ضواحي المدينة حتى اندلاع الحرب الأهلية عام 2011، ويقول إنه كانت لديه أربع آلات و20 موظفاً. الآن، يعيش في بلدة ناكسكوف الدنماركية، وهي قرية صغيرة لا يشعر فيها بأنه في بيته، لأنه لا يكاد يعرف أحداً، ويقوم بتوصيل البيتزا. وفي رحلته من كوبنهاغن إلى صوفيا، دفع 700 يورو. وحتى عندما وصل إلى بلغاريا، كان الضغط عليه كبيراً. كان من الواضح أنه لن يتمكن من البقاء هناك لفترة طويلة.

طريق الموت

تمر الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي عبر جبال ستراندزا المطلة على البحر الأسود. في الغابات الجبلية، يتسلل اللاجئون من تركيا إلى الأراضي البلغارية عبر مسارات غير محددة. ثم يستمرون باتجاه الغرب عبر الحقول الواسعة في سهل التراقي. ويتم في هذا الطريق العثور على الجثث مراراً وتكراراً، ويطلق عليه العاملون في المنظمات غير الحكومية اسم «طريق الموت».

في وقت مبكر من بعد ظهر أحد الأيام، توجه بيبرس بالسيارة إلى بومانتسي، وهي قرية تقع بالقرب من مطار صوفيا، حيث اتفق مع سوري آخر يبحث أيضاً عن ابنه. تحيط الأسلاك الشائكة بالجدران العالية للمخيم هنا. يعلم بيبرس من المسؤولين أنه لا يوجد أحد مسجل هنا باسم ماجد. لكن الترجمة الصوتية للأسماء العربية قد تكون صعبة، فحرف واحد خطأ لا يصل بالكمبيوتر أي نتائج.

وفي مخيم اللاجئين المفتوح في صوفيا، المحطة التالية لبيبرس، يتنقل من طابق إلى آخر. لا أحد من السكان يعرف ماجد. يعلم بيبرس أنه يجب عليه تقديم رقم تسجيل ماجد، حيث من المستحيل البحث باسمه. ويقول: «حاولت أن أوضح لهم أنني أردت فقط أن أعرف ما إذا كان ابني حيّاً أم ميتاً»، لكن دون جدوى.

تعلم عائلات اللاجئين أن السلطات البلغارية لا تقدم لهم سوى القليل من المساعدة، إحدى المشارح في بورغاس معروفة بسوء سمعتها. وقال أربعة لاجئين لصحيفة دير شبيغل، إنهم اضطروا إلى رشوة الموظفين حتى يتمكنوا من النظر إلى الموتى. وتدعي إدارة المشرحة أنها لا علم لها بمثل هذه الممارسات، لكن العديد من المنظمات غير الحكومية في المنطقة سمعت الشيء نفسه. يقول جورجي فوينوف من لجنة هلسنكي البلغارية، وهي منظمة لحقوق الإنسان يلجأ إليها العديد من اللاجئين طلباً للمساعدة: «إننا نتلقى باستمرار مثل هذه التقارير».

انتهي بحث حسام بيبرس في مدينة الخوفو الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها الـ9000 نسمة، وتقع في سهل التراقي، إنه الموقع الذي أرسله المهرب الذي قاد بيبرس إلى هنا. في مركز الشرطة، قام ضابط بتمرير الصور الموجودة على هاتفه المحمول، فقد صور مؤخراً ثلاث جثث لمهاجرين. وعندما ظهرت الصورة الثانية، أمسك بيبرس رأسه، وهتف «هذا هو ابني»، قبل أن ينفجر في البكاء.

علم بيبرس أن أحد المزارعين عثر على ماجد في حقله صباح يوم 25 سبتمبر، ولم يتم العثور على أي علامات عنف على جسده، وبعد أربعة أيام، تم دفنه. ويقول المدعي العام ميلين بوزيداروف، إن من الصعب التعرف إلى شخص يأتي من الجانب الآخر من العالم، كما أن المساحة في المشرحة محدودة، ولهذا السبب يتم دفن المهاجرين في أسرع وقت ممكن.

أنجبت زوجة ماجد في ذلك الوقت ولداً في تركيا، سمته حسام، على اسم جده، ويقول بيبرس إنها لم تتمكن بعد من تسجيله لدى السلطات. وللقيام بذلك، تحتاج أولاً إلى شهادة وفاة ماجد، التي لم تتسلمها بعد، كما أن نتيجة اختبار الحمض النووي ليست متاحة بعد.

يقول بيبرس إنه لا يعرف كيف ستتدبر فاطمة شؤونها بمفردها في تركيا، يرسل إليها الأموال بين الحين والآخر، ويرغب في إحضارها إلى أوروبا. هناء، حفيدته، ترسل له رسائل صوتية بانتظام. وتقول إنها تصلي من أجل أن يعود أبوها قريباً، ويبكي بيبرس عند سماع الرسالة.

• لا توجد أرقام دقيقة متاحة لعدد المهاجرين الذين يموتون على طريق البلقان. ومع ذلك، هناك ما يشير بكثرة إلى أن عدد الذين فقدوا أرواحهم هذا العام أكبر من السنوات السابقة.

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى